+ A
A -
هذا هو سؤال الهند الكبير هذه الأيام، بل منذ لحظة انتخاب «راهول غاندي» مؤخراً كزعيم لحزب المؤتمر العريق الذي أنجز استقلال الهند، وأسس ديمقراطيتها الصامدة.
وسبب السؤال هو تراجع شعبية الحزب كثيرا في السنوات الماضية بدليل أنه لم يتمكن في آخر انتخابات عامة سنة 2014 إلا من حصد 44 مقعداً من أصل مقاعد مجلس النواب البالغ تعدادها 545، فكان ذلك بمثابة هزيمة نكراء له لم يتجرعه من قبل.. ومما زاد في آلامه هو أن غريمه حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي فاز بحصة الأسد (206 مقاعد) ليحكم الهند وينفذ أجنداته السياسية دون متاعب.
وقتها عزا المراقبون الأسباب لعوامل: منها تفشي الفساد في مفاصل الحزب بعد رحيل قادته التاريخيين؛ أيلولة قيادة الحزب إلى الهندية من أصل إيطالي «سونيا غاندي»؛ عدم اكتراث الحزب كثيراً بالأمور المعيشية للسواد الأعظم من الهنود؛ نجاح حزب المعارضة الرئيسي في تحقيق نجاحات اقتصادية مذهلة في ولاية غوجرات التي حكمها على مدى عقدين متواصلين من خلال رمزه «ناريندرا مودي» رئيس الحكومة الهندية الحالية والذي لم يتردد في استخدام ذلك الإنجاز في القفز إلى السلطة.
يمكن القول إنّ الطريق غير معبد أمام راهول لإعادة الوهج الغائب لحزبه واستعادة السلطة في الانتخابات القادمة، ليس لأن الرجل شاب تنقصه الخبرة السياسية التي كانت تتمتع بها جدته أنديرا ومن قبلها جده الأكبر جواهر لال نهرو فقط، وليس لأنه غير مؤهل فحسب (فهو خريج جامعات هندية وأميركية وبريطانية عريقة في الآداب والفلسفة)، وإنما بسبب وجود شخصية سياسية ماكرة وذات شعبية طاغية وعالمة بخبايا السياسة الهندية ودهاليزها مثل مودي على رأس الحزب المنافس، خصوصاً أن الأخير تمكن خلال السنوات القليلة الماضية من تحقيق إنجازات داخلية وخارجية كثيرة للهند، وحافظ على موقعها كقوة إقليمية ودولية صاعدة.
إلى ذلك لا يخفى على المراقب لأحوال الهند أن حزب المؤتمر لم يعد ذلك الحزب المتماسك كما كان في الماضي.. فالانقسامات تعصف به، وهناك من رموزه من قبل بزعامة راهول على مضض، لأنه كان يفضل شخصية قيادية أخرى مثل شقيقة راهول الكبرى، بريانكا، التي تملك خبرة أكبر من أخيها في كيفية تحريك الجماهير ودغدغة عواطفها خصوصا وأنها تذكرهم بجدتها الراحلة أنديرا في بدايات مشوارها السياسي.. أما راهول فهو لئن كان صاحب شخصية طيبة وقريبة إلى القلب كما وصفته صحيفة «فاننشال تايمز»، فإنه من جانب آخر شاب خجول، وهذه الصفة لا تصلح لمن يريد خوض المعارك الانتخابية الجماهيرية في بلد كبير كالهند.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن راهول حاول مؤخراً تفادي هذا الخلل في شخصيته بكثرة الظهور في المحافل الإعلامية والسياسية وتعمد بناء علاقات قوية مع رموز المجتمع السياسي الهندي، خلافاً لما درج على قوله طويلا من أنه يكره السياسة والأضواء ويفضل عليهما الحياة الهادئة ورياضة الكريكت.. غير أنه على الرغم من هذا الانقلاب في حياته، والذي يذكرنا بما حدث لوالده «راجيف غاندي» بـُعيد اغتيال والدته أنديرا، فإن أمام راهول اليوم تحديين إنْ أراد أن يحقق شيئا لحزبه في الانتخابات العامة القادمة المقرر إجراؤها عام 2019.. التحدي الأول هو إثبات قدراته السياسية الشخصية من خلال التدرب أكثر فأكثر على الظهور كخطيب مفوه قادر على استمالة الناخبين، ومتمكن في الوقت نفسه من تسديد لكمات موجعة ضد منافسيه.. والتحدي الثاني هو إعادة بناء حزب المؤتمر وهياكله المتصدعة، مع بناء تحالفات أو تفاهمات مع الأحزاب السياسية الأخرى المتضررة من أجندات حزب بهاراتيا جاناتا القومية.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
24/12/2017
2607