+ A
A -
لا أذكر رئيساً أميركياً قبل دونالد ترامب توعد علناً الدول التي لا تصوّت لصالح إسرائيل في مجلس الأمن أو الجمعية العامة، بقطع المساعدات الاقتصادية عنها. لكن ترامب أبى إلا أن يكون الأول في كل شيء قبيح أو تسلطي أو مافيوي التوجه.
لم يتحدث كلينتون أو نيكسون أو ريغان أو حتى عائلة بوش عن حيثية كهذه في الهواء الطلق. لقد بحثوا ذلك في الغرف المغلقة حتماً، لكنهم لم يجرؤوا على مكاشفة الناخبين أو العالم بمواقف جنائية ترقى إلى جريمة حرب، وتنسف ادعاءات أميركا حول احترام الحرية والرأي الآخر والتعددية، وتقبُّل حق الشعوب في تقرير مصيرها.
واشنطن مارست ذلك كله دون إعلان، لكن ترامب جاء الآن ليعلن بصوته وصورته: «انهم يأخذون مئات الملايين وربما مليارات الدولارات ثم يصوّتون ضدنا. حسناً سنراقب تصويتات كهذه ونتصرف»، تجاه من يقول «لا» لقراره غير الشرعي أصلاً بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
تعيدنا مثل هذه المواقف ليس فقط إلى ما قبل «الكو كلوس كلان»، ولكن إلى ما قبل الديمقراطية وإلى ما قبل القلاع ومحاكم التفتيش وحرق الساحرات، بل وإلى ما قبل القوس والنشاب. ويكتشف الذين يتابعون مواقف الدول الأوروبية وردود أفعال الدول المعتمدة على المعونات الأميركية (الرشاوى) أن «الغضب الساطع آت»، وأن الحكمة المأخوذة من أفواه المجانين ستنقلب وبالاً هائلاً عليهم.
الأنكى أن مواقف بعض العرب أو من يدّعون أنهم كذلك، تكشف الكثير. فهذا وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد يقول في تغريدة إن «القدس قضية حياتية يجب ألا نخوض بسببها معركة مع أميركا». وتابع أن «من غير المفيد اختيار معركة مع واشنطن فيما نكافح معاً الخطر الإيراني الواضح».
نعود مرغمين إلى المثل الأنسب: «إذا لم تستح فافعل ما شئت». أما طهران فننصحها مجدداً بخطوات ملموسة لتحسين صورتها في منطقة ما زالت مرتابة ومرتبكة وتحتاج إلى تطمين إزاء ما يتردد حول التوسع الجغرافي والنفوذ السياسي، وغير ذلك.
واللافت أن نتانياهو مرعوب من تصويت القدس، إذ بعث برسالة إلى رئيس التشيك الدولة الأوروبية الوحيدة المؤيدة لنقل السفارة، يستجديه فيها الامتناع عن التصويت على الأقل كي لا يأتي تصويت القارة الأوروبية كاملاً ضد ترامب، كما هو متوقع.
وإذا كان مدير ملف الأسرى في سجون الاحتلال قد انتقد مجلس الأمن لتجاهله هموم سبعة آلاف أسير فلسطيني وتخصيصه جلسة لبحث مصير جنديين معاديين أسيرين في غزة، ما يجعل المجلس منحازاً وغير محايد ويكيل بمكيالين في كل ما يتعلق بالقضايا العربية والفلسطينية، فإن صحفيين إسرائيليين مطلعين يتوقعون هزيمة مذلة للأميركيين وإسرائيل.
فثمة اعتقاد قوي باستحالة رضوخ دولة واحدة لتهديدات ترامب بمعاقبة من يصوت ضده بشأن مصير القدس. ويرى هؤلاء أن مصر والأردن ستصوتان مع القدس وضد ترامب، مضيفين: «نتحدى الرئيس الأميركي أن يفرض عقوبات اقتصادية عليهما»!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
22/12/2017
2676