+ A
A -
استعجال الرئيس بوتين سحب وحدات من سوريا لا يعني إنهاء وجود بلاده العسكري في هذا البلد أو إنهاء الحضور السياسي الروسي في بلاد الشام ومنها في الإقليم.. صحيح أن هذا التقليص للقوات رسالة إلى الداخل «الانتخابي»، لكنه ربما كان رسالة أيضاً إلى حليفيه في دمشق أو طهران تشي باستعداده لوقف التدخل الميداني ليترك لهما وحيدين مواجهة أكثر من مائة ألف مقاتل يشكلون فصائل في «الجيش الحر»، فضلاً عن قوى أخرى متطرفة.
هذا الواقع بالطبع ينذر بتجدد جولات جديدة من الحرب وانقلاب محتمل في المعادلات الميدانية إذا لم تنجز التسوية.. وأياً كان هدف موسكو من تخفيف الوحدات والترسانة، فإن التعويل على سوتشي كفرصة للخروج بتسوية يبدو في غير محله.. ذلك أن ثمة قوى ومصالح دولية وإقليمية متناقضة ومتصارعة في بلاد الشام. وحتى لو نجح الروس في فرض صيغة حل في منتجع البحر الأسود، فماذا عن موقف تركيا وإيران وخصومها العرب؟ وماذا عن الولايات المتحدة وإسرائيل؟
موسكو تدرك أن أي حل سيخرج من سوتشي، أياً كان الحضور ومستواه ومدى تمثيله، يحتاج إلى غطاء شرعي من المجتمع الدولي، مثلما يحتاج إلى قبول المعارضة الموحدة أو غالبية السوريين.. ولا يبدو أن بقية المنخرطين من أصحاب المصالح في سوريا مستعدون للقبول بحل سياسي لا يرعى مصالحهم، خصوصاً أميركا وإيران التي تبني قواعد عسكرية في حين لا تزال إسرائيل تهدد كل يوم بعدم السماح للجمهورية الإسلامية بوجود دائم في بلاد الشام.
قد لا تكون سوريا مرشحة بعد فشل الجولة الأخيرة في جنيف للتقسيم، كما حذر المبعوث الدولي، أقله في المدى المنظور.. تقسيمها يعني فتح الباب أمام سلسلة قد لا تتوقف عند حدودها. قد تشجع على التمدد مجدداً نحو العراق وتركيا وحتى إيران وغيرها. ويستحيل أن يكون المجتمع الدولي، في ظل نظامه المهتز، مستعداً لاستقبال هذا الحجم من التحولات الكبرى وتداعياتها.
التقسيم مستبعد حالياً لكن ماذا عن تقاسم النفوذ في سوريا الجديدة وتوزيعها حصصاً على المنخرطين في حروبها؟ تبدو سوريا في متاهات جنيف واستانا وسوتشي أشبه بشركة مساهمة متعددة الجنسية يديرها مجلس إدارة يتولاه الروسي الذي هو الآن صاحب الحصة الأكبر من الأسهم بحضوره الميداني والسياسي، ويشارك فيه بنسب مختلفة تبعاً للأحجام ومناطق السيطرة والموالين، كل من الإيراني والتركي والأردني والسعودي وطبعاً الأميركي الحاضر بقواعده وأصدقائه والإسرائيلي الغائب شكلاً الحاضر أبداً في المتون. وتالياً فإن أي حكومة ستنبثق من أي حل ممكن ستنعكس هذه الشركة حصصاً موازية في الحكومة ومجلس النواب والأجهزة الأمنية.. أليس هو حال لبنان بعد اتفاق الطائف الذي ضمن حصصاً لجميع المشاركين فيه والتابعين اللبنانيين لهم إلا فقط الوطنيين المستقلين؟ وأليس هذا هو حاله اليوم في ظل التنافس الإيراني السعودي.. أوليس هذا ما حدث في العراق في الاتفاقات التي أعقبت الغزو حيث للأميركي حصته المصانة في المكونات العراقية وفي السياسة والأمن والنفط والمصالح الحيوية، كذلك للإيرانيين أصحاب الحصة الوازنة الكبيرة الثانية بعدما تخلى العرب عن دورهم في العراق ويحاولون اليوم اللحاق بأنفسهم بحصة خاصة ليس من أجل تأكيد عروبة العراق ولا حباً بالعراقيين بل نكاية بالإيرانيين وتسعيراً للخلاف العراقي العراقي.. ونظام هذه الشركة أيضاً قد ينطبق على اليمن حيث الإيرانيين والسعوديين والإماراتيين والأميركيين يتنافسون على هيكل كعكة هذا البلد صاحب الموقع الاستراتيجي. ينطبق أيضاً على ليبيا، حيث كل الجيران وفي طليعتهم الأوروبيون المختليفون بين بعضهم البعض.
الخطير أنه في نظام الدولة- الشركة يتلاشى الوطني كلياً وتحل المصالح القوى الخارجية المتحكمة بالداخل على حساب السيادة والاستقلال وهموم الناس وقضاياهم.. ويتغلب الطائفي والمذهبي والأثني على العوامل التي توحد المكونات التي تصير صدى لحماتها ومشغلها ويسقط مفهوم الدولة الجامعة الحامية لشعبها وحدودها وتصير الدساتير والقوانين أداة للسيطرة والتعسف بدلاً من إقرار العدل.. وهنا تصير مهمة الوطنيين أشد تعقيداً هذا إذ أوجدوا لأنفسهم مكاناً في هذه الوحول المتحركة.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
22/12/2017
2729