+ A
A -
وسط فوضى وبلبلة لم نر مثلهما منذ الحرب العالمية الثانية، نكتشف من قراءة التاريخ، أن دولة قطر الصغيرة في حجمها المؤثرة في قدْرها وشموخها، تعطي المثل والنموذج، ليس في الصبر والصمود فحسب، بل في الاستشراف الجريء، القريب من الإعجاز.
نقول ذلك في ذكرى التأسيس الذي يُحتفل به في كل «18» من ديسمبر، وبمناسبة الجهوزية العسكرية العالية التي عبر عنها المسيرة الوطني. ونقول أيضاً إن المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، تمكن بعد عشر سنوات فقط من وفاة والده، من تحويل قطر إلى محمية عثمانية، لضمان وجود قوة عسكرية مسلحة في دولة حديثة، ثم وحّد القبائل التي اغتنت من تجارة اللؤلؤ في أواخر القرن التاسع عشر.
غير أنه ما إنْ مرت بضع سنوات أخرى، وجاء العام «1916» حتى انهارت الامبراطورية العثمانية لأسباب نذكرها لاحقا، بعد أن أكملت ست ألفيات في الحكم، لم تحققها دولة في التاريخ. ما نريد قوله هو أن الاستشعار السليم دفع صناع القرار في العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، إلى ضرورة التحالف مع قوة عظمى تدعم الدولة الحديثة التي كانت عاصمتها الدوحة في طور التنشئة وقتها.
يخبرنا التاريخ كيف اختارت قطر- ربما مضطرة- بريطانيا وليس الامبراطورية العثمانية، كما كانت ترغب، لسبب وحيد ورئيسي، وهو انتقال الريادة إلى التاج البريطاني وبعده الأميركي، مع الأسف في الحالتين، بعد الذي رأيناه يجري للقدس وفلسطين في المائة سنة الأخيرة.
ما أريد تأكيده أن قطر أصابت في خياراتها، لكن الظروف لا تسير إلى جانبك طول الوقت. وإذا كانت هذه الدولة الخليجية قد نالت استقلالها عن بريطانيا عام «1971»، قبل مجيء الأمير الوالد إلى الحكم عام «1995»، فقد أصبح الكيان الوليد المستقل دولة غاز ونفط يشار لها، وما يزال، بالبنان. لن نأخذ الكثير من الوقت لسرد معجزة التسليم الفذ للسلطة عام «2013»، لصالح صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلا أن قصة الحصار الجائر الذي نفذته أربع عواصم سعت لمصادرة سيادة واستقلال قطر، وهو ما فشلت فيه بتفوق، نقلتنا على الفور إلى صدقية ذلك الاستشراف القديم الذي دفع القطريين للتحالف مع العثمانيين، وهو نفس القرار الذي توصل إليه صاحب السمو والرئيس أردوغان.
القصة طويلة، لكننا سنحاول اختصارها، فتركيا كانت «مانع صواعق» ساعدت في إنقاذ الحليف القطري من الوقوع فريسة لشرور الدول الأربع الشريرة، لكن المهم هو أن القاعدة التركية التي ساهمت في استقرار قطر وفشل مخطط العدوان، تصطف إلى جانبها أسهم أخرى، كما نظن ونتوقع.
من هذه الأسهم، سهم روسيا «التواقة»، وسهم إيران المتفوقة، وغيرهما من دول لا نود ذكرها. وإذا كانت دولة ترامب صامتة- عن غش- اليوم تجاه مصير قاعدتها الضخمة في العديد، بعد أن لوحت سابقاً بسحبها، فإن هذا الصمت ليس غائباً عن أصحاب القرار في الدوحة. ويعرف ترامب ذاته بكل صلفه وغطرسته أن دولاً فاعلة، مستعدة لملء أي فراغ تتركه إدارة ترامب في قطر أو حولها.
لا أعطي نفسي حق التكهن بما قد يحدث تجاه مسألة حساسة كهذه، لكنني أدرك أن كل شيء محسوب حسابه، وأن الريح لن تكون وحدها التي تزأر في الفراغ الصحراوي الهائل إذا قرر ترامب ومساعدوه الرحيل إلى مكان آخر.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
20/12/2017
3230