+ A
A -
لم أكن أريد لها هذه النهاية.. ونهايتها هي نهاية المرأة التي فقدت وجهها!
لولا هذا الخبر الحار من آيرلندا، ما كنتُ سأنظر إليها.. كيف لرجل مثلي ان ينظر إلى امرأة فقدت وجهها، ومن يفقد وجهه يفقد الهوية. يفقد التاريخ، والحاضر، ويصبح اخيرا بلا مستقبل!
كثيرون في هذا العالم- رجالا ونساء- فقدوا وجوههم، تماما، ولم يعد لأى منهم من وجه، يقابلني به، ويقابلك.. ويقابل به أيا من كان في هذا العالم.
ذات الوجه الطويل، فقدته.
من؟ من غير امراة بورما، من تحمل وجها يتميز بالطول. وجها كان- يوم كانت ضد القبح- مدويا، مثل الصرخة التي تزلزل كيان الجبابرة؟
من، غير اونغ سان سو كي، المرأة التي ظلت لسنوات تنازل حديد الجنرالات، بالمواقف الحديد؟
اغتيال الديمقراطية، قبح.. والقبح -وإن اتخذ اشكالا- إلا انه في النهاية، يبقى واحدا.. والذي ينازل شكلا من القبح، عليه ان ينازل بقية أشكاله، في أي زمان.. وأي مكان.
«التطهير» قبح.... وهذا القبح أشكال.. ومن اشكاله التطهير العرقى... واونغ سان سو كى، لو كانت صادقة مع مبادئها في منازلة القبح الذي لا يقبل التجزئة، لكانت قد نازلت قبح التطهير العرقى بحق الأقلية المسلمة في بورما ( ميانامار حاليا).
لا.«أونغ» ليست حكاية المرأة التي فقدت وجهها فقط. إنها حكاية المرأة التي فقدت وجهها يوم فقدت صوتها، وما أسوأ فقدان الصوت، في ظل صراخ الآخرين، واستصراخهم لكل صوت في العالم، واستصراخهم لكل ضمير.
أقلية الروهينغا.. قتل بالجملة.. وتشريد بالجملة. تطهير عرقي، وأونغ- المرأة صاحبة الوجه الطويل الأشبه بالصرخة المزلزلة- عين تنظر.. عينان.. ولسان مقطوع..
حين يفقد الحلقوم صوته.. يفقد المرء وجهه.
اصرخ في وجه القبح، حتى أراك.. حتى أرى وجهك.
سان سو، لم تصرخ، ففقدت ذلك الطويل شبيه الصرخة المدوية.. وظل السؤال: سان سو كي، ترى بأي وجه ستنظرين للعالم، وأنت المرأة التي لم يعد لها وجه على الإطلاق؟!
حين يفقد المرء وجهه، يفقد الكثير.. وها هي ذا سان سو كي، تفقد في ايرلندا جائزة«حرية مدينة دبلن» خلال تصويت جاءت نتائجه بالاجماع لتجريد امراة ميانامار من تلك الجائزة الرفيعة لموقفها الصامت، والمخزي من جريمة التطهير العرقي بحق الأقلية المسلمة.
ذلك تجريد كبير..
لكن ما يماثله من حيث المعنى ذاته، موقف شريف من الموسيقار الآيرلندي بوب غيلدوف، تمثل في إعادته لجائزة «حرية مدينة دبلن» الشهر الماضي احتجاجا على ارتباط سو كي بالجائزة.
أيضا يماثل موقف غيلوف شرفا، المطالبات التي انطلقت من شخصيات عالمية شريفة، بتجريد امرأة بورما، من شرف جائزة نوبل للسلام.
بلى.. حين تفقد صوتك، ووجهك تفقد الكثير.. بل تفقد هويتك كانسان، وتفقد تاريخك وكل احتمالات الحاضر والمستقبل.
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
17/12/2017
2911