+ A
A -
سألت نفسي: هل صفقة القرن أيقونته أم أضحوكته؟ غير أني لم أكن ساعتها في مزاج من يستطيع أن يحكم جازما إلى أي السبيلين ستذهب الصفقة، إذا كانت موجودة فعلاً؟
ولكن عندما سمعت محمود عباس يرفع سقف كلامه في قمة اسطنبول الإسلامية إلى ذرى ربما يسعى من ورائها إلى تبرئة نفسه من تهمة التبعية لإسرائيل، أيقنت أن الرجل لم يحترق بعد. فهل هو يتحدث بثقة فعلاً عن انتقال قريب للفلسطينيين من سلطة إلى شبه دولة أو حتى دولة، أم أراد الرجل أن يودع القضية بكلام ناري يمحو من الأذهان، ولو جزئياً بعض ما علق بشخصه من تخاذل وخنوع للدولة الغاصبة؟
غير أن السؤال الأهم يتعلق بما إذا كان المقصود بصفقة القرن هو القدس والسلام الفلسطيني- الإسرائيلي، مضافا إليه التطبيع مع العرب والمسلمين فحسب، أم أن المسألة تتصل أيضا بسوريا وربما العراق واليمن إضافة إلى السعودية والخليج وتركيا وحتى كوريا الشمالية وروسيا والصين وجدار المكسيك؟
هل كل ذلك وارد أم أن الصفقة المقصودة تقتصر على فلسطين وما يحيط بها كما ألمح ترامب؟ وهل كان بوتين يدلي بدلوه في الصفقة عندما أعلن بدء سحب قواته من سوريا رغم أن دي ميستورا عاتبه علناً عندما حذر القيصر من أن الاستعجال يهدد سوريا بالتفكك؟
أما دور أردوغان فقد كان إسلاميا خالصاً وحاميا، لا علاقة له البتة بدوره الأطلسي، رغم أن أحداً لا يتوقع من «السلطان» أن يرسل قوات لانقاذ القدس أو يطلب من أحد أن يفعل ذلك. وعندما هدد الرئيس التركي بقطع العلاقات مع إسرائيل وكال المديح بسخاء لعبدالله الثاني لدوره في رعاية المقدسات، فقد اهتم بأولى القبلتين أضعاف اهتمام الملك سلمان.
أما استقبال سلمان للملك عبدالله بعد يوم واحد من زيارة ملك الأردن لأنقرة، فهي خطوة تندرج أولاً في التنافس على القيادة الإسلامية للمنطقة، والتي تشارك فيها إيران بقوة، وللتأكيد ثانياً بأن أمن الأردن والسعودية واحد، ملمحاً إلى أن صفقة القرن ولَّدها هو وترامب في الرياض في شهر مايو الماضي.
تفاصيل صفقة القرن (المزعومة حتى الآن) غير معروفة الملامح، لكن البعض يتحدث عن ضم جزء من سيناء إلى غزة وربطهما المحتمل بالقدس الشرقية لتقوم دولة فلسطينية قابلة للحياة، فيما تتكفل إسرائيل بما يتبقى، بينما يذهب آخرون إلى التحدث عن كتل استيطانية ستخضع لفلسطين مقابل مليون ونصف المليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، من عرب 48.
وفيما مالت السعودية والإمارات والبحرين إلى إسرائيل في إطار التصدي لإيران ونفوذها كما قيل، تحولت دولة قطر إلى المدافع الخليجي الأصلب عن حقوق الشعب الفلسطيني حتى لحظة نوالها، فيما يتردد أن ملك السعودية دعا العاهل الأردني إلى أن يصبر قليلاً، ذلك أن «الميلان» غير الطبيعي نحو إسرائيل هو مجرد جزء من صفقة القرن التي قيل له أنها ما زالت قيد التكوين.
أما حماس فتتصرف بغرابة تجعل الكثيرين يظنون أنها تنسج جزءاً من الصفقة، فيما تسعى القيادة الإيرانية لتأكيد شرعية مقاومتها لإسرائيل، والتخلص في ذات الوقت من عوالق كثيرة ربما يكون بعضها مبالغاً فيه، حول أطماع طهران عربياً على الصعيدين السياسي والجغرافي، مثلما يردد كثيرون.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
15/12/2017
3293