+ A
A -
شُرطي المرور الْمَدْعو ترامب الذي يُنَظِّم حركةَ سيرِ العالَم يَكسرُ القاعدةَ ويَرتكِب مُخالَفةً لم يَكُن من اللائق أن يَنجو منها صُنَّاعُ التاريخ الأميركي، فمَن تراه سيُكَلِّف شرطي المرور (هذا) الغرامةَ التي يَستحق أن يَدفعَها؟! وهل هذه مكافأةُ نهايةِ الخِدمة لِمَنْ أَلِفُوا التَّمَسُّحَ بأعتابِ البيت الأبيض؟!..
أرض الله لم تَعُدْ تُساوي شيئا في عيون مَن لا يُثَمِّنُون الشِّبْرَ والفَدّان، ولْنَنْظُرْ إلى الإنسان، هذا الإنسان العربي المستسلِم حَدّ الذوبان لِيَتَّخِذَه أعداءُ الإسلام حِذاءً يَنتعلونه ومِن ثَمَّ يَدوسون حضارةً ومَجْداً مُمَثَّلَيْن في صَرْح بَنَاه الأنبياء ورَعَاه رَبُّ السماء لما وُجِدَ مَن يَرعى الأمانةَ.
لِنَنْظُرْ إلى الحضارة والمجد كيف قَوَّضَهما مَن لا يَحرسون الصرحَ ولا يُتقِنون غير التخريب غَفْلَةً، بل أكثر من ذلك لا يُجيدون البناءَ، وإذا بَنَوْا شيئا سَقَطَ فوق رؤوسهم.
سيدةُ النساءِ المناضلات بِسَيف الأغنية دفاعا عن شمس تُسَمَّى القدس أَبَتْ إلاَّ أن تَنحني تعظيما للقدس، وبالْمِثْل أَبَيْنَا إلا أن نَنحني تقديرا لشمس الأغنية الملتزمة فيروز كما يَنحني تاريخُ الأغنية العربية إعجابا بفيروزه.
مدينةُ السلام تَعَرَّتْ مِن قميص السلام، وتَعَرَّى معها الخَوَنَةُ، ولْنُقدِّرْ حُرقةَ أبنائها وهُمْ يَشهدون المحرقةَ ويَنزفون دموعا داميةً وتَنهار سيقانهم التي ما عادَتْ تَقوى على حمل جُثَّة الغضب الجاثم على أنفاسِهم هم المضروبون في إحساسِهم.
أهناك من يَحترق سِوى قلوبهم التي تَكاد تُغادِرُ صُدُورَهم وهي تُرفرف كالطيور المذبوحة؟! أم هناك من يَذوب كَيّاً أكثر مِن أرواحهم المنصهِرة تحت وَطأة حرارة الإحساس بالمرارة وقَد صَدَمَهُم مشهَدُ التواطؤ؟!
فيروز جَعَلَتْ مِن القدس شمسا لا تَغيب، لكن ماذا صَنَعَ رجالُ التاريخ؟! لقد صَنَعُوا المستحيلَ في عيون مَن يَتَيَمَّنُون بِقُدسهم ويَربطون حياتهم بحياتها، لماذا؟! لا تَسْأَلْ يا هذا وأنت أَدْرَى بِمَن باعَ القدسَ وبِمَن قبضَ الثمنَ.
هل كان يُخَيَّلُ إلينا في يوم أن تَحْدُثَ هذه المهزلة؟! هل كُنَّا نَتصور أن تُسَاقَ القدسُ إلى حتفها كالجارية التي لا حول لها ولا قوة؟! هل كُنَّا نتوقع أن نتمادى في أخطاء الصمت على طيش مجانين التاريخ الذين يَشربون نخبَ نَوْمِنا؟!
أين هي غولدا مائير الآن لِتَرْقُصَ نخبَ هزيمتنا هي مَن أطاحَتْ بِعِزِّ أُمَّتِنَا عندما لَقَّبَتْنَا بالأُمَّة النائمة؟!
أين هي عائشة الْحُرَّة أُمّ أبي عبد الله آخِر مُلوك الأندلس لِتَقُولَ لرجالِنا اليوم ما قالَتْهُ لابنها الذي وَقَفَ على حَبَّات تُراب «زفرة العربي الأخيرة» زمنَ سقوط الأندلس وهو يَنظر إلى غرناطَتِه (بعد أن فَرَّطَ فيها) النظرةَ الأخيرة باكيا جارّا ذيلَ العارِ يَتعَقَّبُه نُباح الشامتين: اِبْكُوا كالنساء على ملْك لم تُحافظوا عليه كالرجال؟!..
الجنازةُ صغيرة، والْمَيِّتُ أُمَّة.
نافِذَةُ الرُّوح:
«ترى كم يُكَلِّفُ من الأغطية لتُقاوِمَ شِتاءَ الأُمَّة البارد نوماً؟!».
«مِن الصَّمتِ فَصَّلُوا عباءاتٍ وقُمصانا ولِثاما خَوفا من محاسبة التاريخ».
«نِصْفُ الحياة نَوم حقيقي، ونِصْفُها الآخَر نَوْم افتراضي».
«مَرَايا التاريخ فاضِحَة».
«اليَوْمَ تَبيعُ، غَداً تُباَعُ».
«التاريخُ يَبْكِي الرجالَ».
«أتَغِيبُ شمسُ القدس لِتَتْبَعَها الشموسُ تباعا؟!».

بقلم : د.سعاد درير
copy short url   نسخ
14/12/2017
2725