+ A
A -
مخطئ من يظن أن الحراك الشعبي والغضب الجماهيري سيتواصلان إلى ما لا نهاية رداً على خطوة ترامب الهستيرية بضمه القدس الشرقية إلى الغربية- وكأنهما ملك والده- لتصبحا عاصمة موحدة لإسرائيل، ومخطئ من يظن في الوقت ذاته أن حالة الاستياء ستقتصر على التظاهر والمسيرات السلمية.
القصة أعمق وأخطر وأطول مدى. وأول ما يمكن قوله إن قرار ترامب بشأن القدس لن يؤثر على عملية سلام غير موجودة أصلاً. وعندما توقعت واشنطن أن يندم الفلسطينيون لرفضهم استقبال نائب ترامب لبحث التداعيات، فلا نظن أن لديهم شيئاً يندمون عليه سوى أنهم صدقوا ذات يوم أن أميركا وسيط نزيه.
ولا شيء في الواقع خاضع للمتابعة مع رئيس يعشق خصلة شعره الصفراء أكثر من حبه لعائلته والقدس التي لا نظن أنه قرأ ولو جزءاً من تاريخها. ويكشف قطعه خيط السلام الرفيع، الوهمي في الحقيقة، نزقاً عنصرياً لدى شخص من التفاهة بمكان، يجعله يهتم بديكور بركة السباحة وما ترتديه أو لا ترتديه عارضات الأزياء، أكثر من اهتمامه بمستقبل الولايات المتحدة التي يرأسها على حد علمنا.
لسنا معنيين كثيراً بتلك التفاصيل، رغم أنها ضرورية لكشف كوامن هذه الشخصية الكارهة لكل من هو ليس أبيض البشرة، كالمسلمين واللاجئين والسود واللاتينيين، مع حقد إضافي على السوريين والعراقيين. غير أن الكلفة المترتبة على هذه النوازع البدائية المقززة، كما يجمع المحللون ذوو التفكير السليم، لن تكون عادية على الإطلاق، حتى لو بدت كذلك بعض الوقت.
كذلك فإن ضعف حلقة الرئاسة الفلسطينية وارتهانها للأوامر الإسرائيلية وسقوط عباس ومساعديه في حمأة الفوضى ولجة الفساد والخيانة في الواقع، يحول دون وضع هذه القيادة مخططا ذا قيمة حول كيفية التعامل مع أفاعي ترامب ونتانياهو.
ورغم يقيننا بأن ما تسمى الجامعة العربية ليست بوارد التصدي حتى لكلب يعوي على مدخلها، فإن جذوة الغضب العالمي العارم لن تنطفئ أبداً.
ولا يشكل سقوط عدد من الشهداء وإصابة ألف وخمسمائة فلسطيني بالرصاص المطاطي، الضريبة المطلوبة ولا حتى جزءاً منها، وكذلك الأمر بالنسبة لكمائن ترامب ومرافقيه الموغلين في الأناقة وجمال الشكل ووفرة اللحم الأبيض.
ثمة بالطبع دول جادة في الرد على صفعات ترامب كتركيا والأردن- ولكن في غياب خليجي ومصري مؤلم- عدا المساهمة القطرية المقدرة. غير أن المحافظة على الزخم النضالي المقاوم يحتاج إلى إقفال أبواب التخاذل والإحباط، والتفاعل الايجابي مع مدخلات الكفاح المسلح في منأى عن البيانات الفصائلية الخانعة.
من الصعب معرفة المسارات بتفاصيلها ومضامينها، لكن الغضب الفالت من عقاله ينتج فعلاً لا يمكن توقعه وربما تكون مواجهته مستحيلة. وإذا دخل العنف والسلاح المتطور إلى الحلبة، فإن سرقة القدس هي أكبر مبرر يجعل ذلك ممكناً، مع ما يترتب على هستيريا السخط الممزوح بعدم تصديق ما حدث، من أساليب وحشية تعرفنا على بعضها عبر عمليات إرهابية مازلنا نرفضها، مع علمنا بوجود مئات الآلاف من الخلايا المبثوثة عبر القارات، والتي تتزايد الآن مع تصاعد الرغبة في تدفيع ترامب وعصابته أثمان جرائمه لم يسبق لها مثيل.
بقلم: مازن حماد
copy short url   نسخ
12/12/2017
2976