+ A
A -
كتب أحدهم ذات مرة «لا نستطيع أن نملك الحقيقة الكاملة إلا عندما تتخلل جوهر حياتنا ذاته من خلال العادات الجديدة والجيدة، ونحن جميعا تقريبا نميل لاستخدام كلمات مثل «اعتدت» و«بحكم العادة» ومن «عادتي» أن أفعل هذا ولا أفعل ذاك، وذلك كمبرر لما نفشل في تغييره، وكم هو سهل أن نتحصن بهذه الكلمات التي تحمل نفس المعنى حتى لا نقدم على التغيير وعلى طرق أبواب جديدة ومختلفة، أعرف سيدة إن لم تتناول وجباتها اليومية في وقت محدد تفقد أعصابها وتشعر أن العالم ينقلب من حولها رأسا على عقب، وأخرى تسافر كل عام إلى عاصمة الضباب لندن وتشكو بعد عودتها من الضجر، وآخر يتوجه إلى عمله كل صباح وعلى مدار عشرين عاما من طريق معين، وإذا صادف وجود حادث مروري أو تصليحات تعيق تقدمه يعود أدراجه إلى منزله، ولا يفكر بأي حال من الأحوال أن يتخذ طريقا آخر يقوده لمقر عمله، ويقينا لا أعرف كيف يمكننا أن نتعرف على حدود امكانياتنا وعلى قدراتنا اذا استسلمنا للروتين يوما بعد يوم، وأقتبس هنا كلمات الكاتبة «مرسيدس كالكانو» من اللحظة التي نستيقظ فيها كل صباح إلى الوقت الذي نعود فيه إلى أسرتنا ليلاً، ننتقل من مكان إلى آخر ونحمل معنا أشياء لا نستطيع التخلي عنها، أو نعتقد ذلك، أوراق، هاتف محمول، آيباد، كمبيوتر، شاحن لكل جهاز من الأجهزة السابقة، يبدأ كل صباح بحاجتنا لحمل أو جر أجسادنا إلى دورة المياه كي نتمكن من الاستيقاظ فعلا، ثم نبدأ بالتمسك بكوب القهوة أو الشاي لنضمن ثباتنا العقلي واستقرارنا العاطفي الذي نحتاجه قبل أن نطرق على باب غرفة أطفالنا لإيقاظهم للمدرسة، ولكن، في طريقنا للغرفة، سنحمل معنا ملابس ملقاة على الأرض، ألعابا مبعثرة، دفاتر وكتبا مدرسية، نظارات، بعض الأطباق، كل الاشياء التي تم ذكرها بالأعلى دلائل مرئية على رحلاتنا اليومية، إنها تتحدث عن كل ما نحبه ونكرهه، عن كل ما نحن مهووسون به، عن مخاوفنا وعاداتنا، أحلامنا وطموحاتنا، وببساطة إنها تحكي قصصاً عن حياتنا، وما زلنا نحملها معنا منذ ولدنا وحتى نموت، إننا نحمل معنا تراكيبنا العقلية، مشاعرنا، وكل ما نحن عليه، ذاكرتنا، أصدقاءنا وأعداءنا، قلقنا، توقعاتنا، اننا نعيش في مجتمع يجعلنا مرتبطين به، نحمل أسماء عوائلنا، مهامنا، نقاط ضعفنا وقوتنا، ما ينقصنا، ما نطلبه، وما يأخذه الآخرون منا، أيا يكن فإن مصائرنا تعتمد بشكل كلي على حالة عقولنا، إننا نحمل العالم بأكمله معنا في كل قرار نتخذه، إنه داخل حقائب أجسادنا وهوياتنا، لذلك حين تستيقظ غدا، وفي كل يوم بعده، عندما ترن ساعة منبهك، تذكر أنك إنسان عظيم لا تحمل معك أشياءك فقط، بل تذكر أنك روح تحمل معها معنى، تأكد من معرفتك لشكل هذه الروح، لصوتها، لإحساسها، وطعمها أيضا حتى لا تفقدها داخل فوضى عاداتك الثابتة، ولقد أدلى «مارك توين» بملحوظة تصف الطريقة التي نغير بها طرق التفكير والسلوكيات القديمة «العادة هي العادة، ولن يستطيع أي إنسان الإلقاء بها من النافذة، بل عليه دفعها تدريجياً بمعدل درجة واحدة في كل مرة» وهذا ما تؤكده هذه الحكمة إذا اعتدت أن تفعل شيئا بطريقة واحدة لمدة عامين. فإن عليك أن تنظر إليه بعناية. فإذا مرت خمس سنوات فانظر إليه بارتياب. أما بعد عشر سنوات فعليك أن تلقيه وراء ظهرك وتبدأ من جديد، ولعل أكبر خيبة أمل يشعر بها المرء عندما يكبر في السن هي افتقاده إلى الاشياء التي لم يكن يستمتع بها عندما كان بإمكانه أن يستمتع بها وذلك لأنه كان أسير عادات تعود عليها.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
11/12/2017
3266