+ A
A -
من المؤكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن يدرك أنه بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها سيكون قد اتخذ أغبي قرار اتخذه رئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، لأنها المرة الأولى التي يتوحد فيها كل حلفاء الولايات المتحدة وأعدائها في خندق واحد ضدها ربما منذ الحرب العالمية الثانية وتشكيل الحلف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
لقد كانت جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي والتي وجدت فيها مندوبة الولايات المتحدة الأميركية نفسها معزولة حتى عن حلفائها الغربيين التقليديين شهادة على الفشل الذريع للقرار الأميركي وعلى عزلة الولايات المتحدة وإسرائيل بعد هذا القرار، مما أجبر الإدارة الأميركية على أن تدلي بتصريح لوكالة رويترز في نفس اليوم تعلن فيه أنها قررت تأجيل تنفيذ القرار، وهذا ما فعله ترامب حيث وقع علي قرار تأجيل نقل السفارة ستة أشهر في محاولة لامتصاص الغضب العالمي العارم ضد قراره وهو الإجراء الذي يقوم به الرؤساء الأميركيون منذ قرار الكونغرس قبل أكثر من عشرين عاما لكنه اكتفى بالإعلان عن ذلك عبر تغريدة حتى لا يفسد فرحة الصهاينة واحتفالاتهم بقراره الذي ينتظرونه منذ عقود، فقد أراد ترامب أن يرضي اللوبي الصهيوني والمسيحيين الأنجيليين الأميركان الذين يدعمون إسرائيل بقراره لكنه لم يغضب المسلمين فقط ولكنه أغضب العالم كله، ورغم أن لكل حساباته في معارضة قرار ترامب إلا أنها في النهاية عكست حقيقية أساسية لمسها العالم كله هي أن ترامب يأخذ الولايات المتحدة نحو الهاوية.
أما على صعيد الحكومات العربية والإسلامية التي تدعم ترامب وإسرائيل فقد تعرت تماما أمام شعوبها وهي تتوهم أنها حينما تحيط نفسها بجيوش أمنية وجيوش إلكترونية وتعيش داخل قصور أسوارها عالية ومغلقة تحرسها مرتزقة بلاك ووتر فإنها ستكون بأمن وأمان عن أن ينالها شيء من غضب الشعوب، تلك الشعوب التي أثبتت مع غضبها العارم الذي اجتاح معظم المدن من المغرب وحتى جاكرتا بل إنه تجاوز العالم الإسلامي إلى الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأميركية ليثبت مكانة القدس لدى المسلمين ومكانة الأقصى كذلك، ويؤكد على أن هذه الشعوب حية لم تمت وإنها فقط بحاجة إلى قائد ملهم أو حدث يوقظها ويبعث فيها الكرامة والعزة والمشاعر الإنسانية والدينية لتنهض من جديد رغم كل ما تتعرض له من عمليات إفساد إعلامي وأخلاقي وإغراق في الفقر والمشاكل الاجتماعية.
أما أهل فلسطين فهم دائما أهل الجهاد والنخوة والمقاومة ومواجهة الاحتلال الغاشم خرجوا في ذكرى الانتفاضة الأولى التي صادفت 8 ديسمبر والتي غابت عن ترامب الذي جاء إعلانه ليحيي في نفوسهم أمجاد انتفاضتهم الأولى وتخرج أجيال جديدة لم تكن قد ولدت حينما اندلعت الانتفاضة الأولى قبل ثلاثين عاما لتواجه بالحجارة في شوارع القدس ومدن الضفة الجنود الإسرائيليين الخائفين المدججين بالسلاح والمختبئين داخل دباباتهم وسياراتهم المدرعة ويعيدوا الرعب إلى نفوسهم من جديد ويذكروهم بأن فلسطين ولادة وما هي إلا أجيال تسلم أجيالا راية الكفاح والنضال والجهاد حتى يستعيد أهل فلسطين أرضهم السليبة ولو بعد حين.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
10/12/2017
13799