+ A
A -
كنت على الدوام مع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. فالقرار متخذ منذ عام «1995» والرؤساء المتعاقبون يؤجلون تنفيذه كل ستة شهور. غير أن تعجيل الصراع برأيي، خير من تأجيله، كي تظهر الأمور على حقيقتها من غير رتوش أو ادعاء.
أما الآن وبعد أن وقع دونالد ترامب قرار الانتقال إلى القدس، أثبت الرئيس أن إدارته عدو فعلي ومباشر للعرب والمسلمين. ومن الضروري الإشارة إلى أن ترامب لم يفعل ما فعل سهواً أو استخفافاً، بل ينبع مسلكه من هوس صهيو ــ أميركي تؤمن به قلة قليلة من المسيحانيين الذين يؤمنون بأن إسرائيل هي فلسطين أرض الحليب والعسل كما ورد في بعض نصوصهم الدينية المزعومة والمفبركة.
وإذا كان ترامب يؤمن بأن الإسرائيليين هم كداود الذي قاتل الطواغيت الفلسطينيين من شاكلة «جولياث الجبار»، فقد قرر منذ زمن طويل التعامل مع إسرائيل كحاملة طائرات متنقلة لحماية اليهود من فناء يتهددهم.
المهم أن هذا الرئيس العنصري المهووس تجرأ فوضع توقيعه على ورقة داكنة في أربعاء أسود، وهو ما تردد عشرة رؤساء قبله عن فعله، ليثبت لحلفائه المتصهينين أنه مخلص لمعتقداته المنبوذة من قبل الغالبية الساحقة من الأميركيين.
لقد فعل ما فعل، وأثار الغضب والاستياء لدى ملياري مسلم على امتداد العالم، ورسم بمداده السام خطوطاً ذات مسار تاريخي ملتو ومحمل بالدم والدمار، ليس لسنة أو اثنتين وإنما حتى يوم الدينونة كما يؤمن الكثيرون.
نتكلم هنا عن ملغومة متفجرة ومتدحرجة عبر السنوات والعقود، على قارعات الزمن الرمادي الذي تحلق فيه الشياطين. كما نتكلم عن غضب عشرات الدول التي أصبحت أو تظاهرت من اللحظة التي تم فيها التوقيع، وسط استياء استثنائي عبر جميع المحافظات التركية، حيث وعدت أنقرة إسرائيل بردود مزلزلة في المقبل من الأيام.
عارض البابا التوقيع ومثله رئيسا فرنسا وألمانيا ورئيسة الحكومة البريطانية، بل إن ترامب شق الغرب إلى أميركا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، في غمرة توقعات بأن تنزل على جنبات العالم في المقبل من الأيام أفعال غير محسوب حسابها من خلال مجموعات لا تستطيع الوقوف موقف المتفرج، وخاصة ملايين المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة والغرب الآنجلو ساكسوني.
ترامب ليس الرئيس الأميركي الوحيد ذا الشعبية المتدهورة في العالم الإسلامي، لكن ترامب هو الوحيد الذي نكأ الجرح بهذا الأسلوب، وقضى تماماً على شيء اسمه عملية سلمية في الشرق الأوسط ترعاها الولايات المتحدة. لقد جزت سكين الرئيس الأميركي عنق السلام الفلسطيني ــ الإسرائيلي رغم العقود المضنية من المفاوضات والمساومات الطويلة.
رجال مثل محمود عباس ممن آمنوا «بالوسيط النزيه» يلحسون المبرر ويلوكون كلاماً بلا معنى. ورغم معرفتنا بأن دولا عربية كبرى (بموازين هذه الأيام) سهلت لترامب «صفقة القرن»، ها هي تعض أصابعها ندماً على ترك الأميركيين لهم على قارعة التاريخ منزوعي اللحم والعظم!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
08/12/2017
3006