+ A
A -
لو أنك قمت بزيارة لمدينة نيوأورليانز في ولاية لويزيانا الأميركية فسيلفت انتباهك تمثال لامرأة بدينة وعادية الملامح تجلس على مقعد منخفض وتلف ذراعيها حول طفل متكئ عليها، وذلك لأنه من النادر ان تقام تماثيل تكريما للنساء حتى في أوروبا، باستثناء الملكات والأميرات العظيمات أو حتى التافهات في المتاحف والقصور وبعض الحدائق العامة، هذا التمثال تم تشييده عام 1884 لسيدة تدعى «مرجريت هوفري» عاشت طفولة قاسية، إذ مات والداها تباعا، وقام بتربيتها زوجان فقيران لم يبخلا عليها بالحب، وحين بلغت سن الرشد تزوجت وأنجبت طفلا، ما لبث ان فارق الحياة وكذلك زوجها، وأصبحت وحيدة في العالم، مما اضطرها للعمل في مغسلة من الصباح إلى المساء دون كلل، ومن نافذة المعمل كانت تراقب الاطفال الصغار في مبنى دار الايتام المقابل وهم يلعبون في الحديقة، وبعد فترة زاد عدد اليتامى وذلك بعد ان تفشى مرض وبائي أودى بحياة الكثير من الآباء والامهات، وتغير المنظر في عيون الارملة الكادحة، فلم يعد هناك صخب ولا مرح ولا لعب، كان الحزن والوجوم يخيم على الوجوه الصغيرة التي تفتقد الحب الخالص والعطف الخالص، ووجدت نفسها دون تفكير تخلع مريلتها وتقطع الشارع وتتجه إلى مديرة الميتم وتعرض عليها جزءاً من راتبها بالاضافة إلى العمل كمتطوعة بعد انتهاء دوامها، ولما كان راتبها قليلا وبالكاد يكفيها، سحبت مدخراتها واشترت بقرتين وعربة نقل صغيرة، فكانت تستيقظ قبل الفجر بساعات لتحلب البقرات، ومن ثم تحمل اللبن إلى البيوت في تلك العربة التي تدفعها بيدها، وفي طريقها كانت تستجدي بقايا الطعام من الفنادق ومنازل الاثرياء، وتكوم كل ما تحصل عليه على عربتها لتحمله للاطفال الجياع في دار الايتام، وبعد عدة سنوات تحسن وضع الدار بفضل إصرار
وكفاح مرجريت، وكلما تمكنت من توفير مبلغ اشترت مزيداً من الابقار، وهكذا تمكنت من بناء منزل للرضع الأيتام، وسمته بيت الاطفال، وبعد فترة اشترت مخبزا وصارت تحمل الخبز واللبن إلى البيوت، وعندما قامت الحرب الأهلية وانتشر الجوع والخوف والاضطرابات كانت مرجريت دائما تملك ما يكفي للجنود الجوعى وللأطفال الذين تحملت مسؤوليتهم، وبعد انتهاء الحرب استقالت من عملها كغسالة واشترت مبنى كبيرا حولته إلى مصنع ومخبز، وبات اهل المدينة كبارا وصغاراً يعرفونها، ويلجؤون اليها لطلب الطعام أو النصيحة، فكانت تلقاهم بمودة وهي جالسة بتواضع أمام مكتبها في المصنع، ولم تتأخر يوما عن مساعدة أي محتاج، فقيرا كان أو غنيا، وعندما وافتها المنية خرج الجميع عن بكرة أبيهم لوداعها، فقد كانت أما لمن لا أم له، وصديقة لمن لا صديق له، وتركت وصية تهب فيها كل ما تملك بالاضافة إلى ثلاثين ألف دولار وهو مبلغ كبير آنذاك لدور الايتام المختلفة في المدينة، بغض النظر عن اللون أو الديانة، فكلهم سواء في اليتم حسب قول مرجريت، المدهش انها لم توقع على هذه الوصية فقد كانت تجهل القراءة والكتابة، وانما ذيلتها بختم يحمل اسمها.. وهو اسم يحرص أهل المدينة على ان تتذكره الأجيال وكل من يزور مدينتهم.. وألا ينسوا صاحبته التي تمكنت من اصطياد الأرواح بالحب.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
07/12/2017
3675