+ A
A -
هربوا بحثا عن الأمان، هربوا من عالم عربي هرب منه كل شيء، حتى الغيوم هربت فلم تعد تمطر ولم يعد خراجها إلى خزينة بيت المال في بغداد، الأمواج هربت من العرب والأسماك والطيور والبلابل، سألني صديقي الاميركي العربي الأصل، كان رفيق طفولتي يده في جيبي ويدي في جيبه: ماذا تفعل في العالم العربي بعد ان ابيضت لحيتك، وانحنى ظهرك فوق أرصفته؟ ماذا تنتظر منه بعد ان تحدد فيه مصيرك؟ سافر إلى بلاد الله الواسعة، فقد لا تجد وقتا في المستقبل لشراء حقيبة تسافر بها، فالأمان حمل حقائبه وغادر.
أطرقت مفكرا في أسئلة صديقي وأنا أرى كل المنافذ المؤدية إلى المسجد في مدينة عربية قد أغلقتها سيارات الشرطة التي تصر على أن رجال الأمن موجودون وأن الأمان يقر بقوة الأمن.

أعاد السؤال بعد أن ابيض الشعر كله وضعفت عضلة القلب: ألا زلت تنتظر الحصول على جنسية عربية أيها المنفي من متن الكتاب؟ قال له: الا تعلم ان الحصول على جنسية أميركية أو يابانية أهون من الحصول على جنسية جنوب السودان أو جنوب لبنان أو كردستان أو بلوشستان أو عربستان؟ قال: المهم ليس الجنسية المهم، الأمان.
رحل من فلسطين إلى بيروت وشهد مذبح والده في مجزرة نفذتها أياد عربية، رحل إلى بغداد فشهد مذبح أخيه بأياد عربية، هاجر إلى سوريا فقطعت مخابرات النظام أصابع يده اليسري لأنه كان أعسر ويكتب مقالاته بها، والحمد لله لا زلت أعيش في عالم عربي لأنني لا أريد هجرة إلى عالم المستعمرين.
أعاد السؤال مرة ثالثة وداعش تطرق أبواب المدن العربية مدينة تلو اخرى وتقطع الأيادي والرؤوس للترتيب والتهجير كما فعلت الهاجاناه في مجازرها عام 1948 وكما فعلت السفاحين في صبرا وشاتيلا وكما فعلت قوات نظام الأسد في تل الزعتر، قلت له داعش ستنفجر فقد انتفخت كثيرا وكل من ينتفخ أو ينفخ نفسه مصيره الانفجار.
وسأبقى في العالم العربي حتى حين يصبح الظلم حرية والاستعباد كرامة بفضل التنوير القادم من مجالس حكم آمنت بحرية شعوبها التي ستضحي لتحقق أمانها.

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
06/12/2017
2053