+ A
A -
غلطة الشاطر بألف كما يقال، وأحياناً بمائة ألف، أو بما لا يعد ولا يحصى، مثلما حدث مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح سيد المناورين الذي أنهاه كمين أعده أعداؤه الحوثيون عندما تبينوا أنه نقل ولاءه هذه المرة للسعودية، معلِّمه الأول.
لعب علي صالح بالسعوديين ولعبوا به وخاض ست حروب ضد خصومهم الحوثيين، قبل أن ينقلب على الرياض ويتحالف معهم ضد بلاده. ومن يومها هو معروف في الأوساط الخليجية بالرجل الذي باع وطنه.
لكن الحظ خانه وكذلك التخطيط المدروس، وعندما أحس الحوثيون المتحالفون مع إيران أنه جاد هذه المرة إلى درجة أنه طلب من الرياض إنزالاً عسكرياً للسيطرة على صنعاء، مشَّطوا رأسه بالرصاص وهو في موكب من أربع سيارات وسط العاصمة، وأخفق «الساحر» هذه المرة في مراقصة الثعابين، فانزاح عن كاهل المنطقة كبير شياطينها وتأثير المليارات المنهوبة من قوت أفقر شعوب الأرض.
حتى أبناؤه كسبوا، ولو لم يعترفوا، فمن مثله لا يدخل في تعداد البشر، بل في تعداد النماريد من عاشقي التآمر والسلطة والكراسي والقفز على التناقضات، تحقيقاً لمكاسب ظهر مع طلوع روحه أنها لم تنفعه في شيء.
قارب الرجل على الثمانين وظل يغامر على بلاده بشمالها وجنوبها ويناطح الرياض يوماً والحوثيين يوما آخر، إلى أن أزهق القدير روحه وهو على رأس موكب يدير المغامرات والحواجز والعسكر، حسب أهوائه المريضة وخبثه وتنقله بين المواقع وخيانته حتى لأقرب الناس إليه، كلما لزم الأمر.
مات الرجل الذي حكم اليمن بكل تقلباته وأطيافه وأعراقه المتناقضة، ثلاثة وثلاثين عاماً، غير أن اليمن استراح وكذلك المنطقة التي تبعثرت شياطينها باختفاء صالح، في كل الاتجاهات. وليس هذا فحسب، بل رأينا الأزمة الخليجية تدخل بوابة الحل في الكويت حيث تجالس المتخاصمون في قمة نأمل أن تفتح الطريق لعودة الروح والعقل.
قضى صالح مثلما قضى غيره من زعماء عرب على ذات السوية والخطورة، وراقبنا مصرع كثيرين ممن قبعوا على صدور شعوبهم وبنوا عشرات القصور وسرقوا عرق جبين الفقراء. رأيناهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة في الفيافي والمجارير والحفر وغرف الاعدام، وشاهدنا فقدانهم أبناءهم في غارات جوية، أو يفرون مع عائلاتهم ذات اليمين واليسار وينسلون انسلالاً من شدة الذعر والجبن بحثا عن ملاذ لم ولن يجدوه إلا عندما تنغلق عيونهم للمرة الأخيرة.
سموه ما شئتم، الربيع العربي أو البلاء العربي أو مملكة الانتقام من الكبار الذين هم في الحقيقة أصغر من صغار. سموه ما شئتم واعتبروا ما نراه الآن موسم إصلاح أو موسم فساد، لكن الحقيقة الصارخة تفيد بأن الشعوب تخلصت من زعمائها وطردتهم من جسد الأمة، غير أن موعد من لم يموتوا بعد، مع ربهم قريب.
كل الذين سفكت دماؤهم ورأوا أولادهم يعذبون ويحاكمون أو يفرون من وجه العدالة، دفعوا الثمن أضعافاً مضاعفة، وسيدفعون المزيد. فالناس استوعبوا الدرس وتعلموا من كيسهم من حياة فلذات أكبادهم.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
06/12/2017
3130