+ A
A -
منذ زمن لم ألتق باصدقاء يعيشون في سوريا ولم يغادروها منذ بدء الثورة إلا بزيارات قصيرة إلى بيروت، أتيحت لي هذه الفرصة خلال الأيام الماضية، إذ تمت دعوتي للمشاركة في فعالية ثقافية تختص بالسوريين، والعلاقة بين مدنهم السورية وبين المدن الجديدة التي رحلوا إليها في رحلة شتاتهم، الدعوة تزامنت مع بدء فعاليات معرض الكتاب في بيروت، وهو فرصة للسوريين المتواجدين في سوريا للقدوم إلى بيروت.
لم أتوقع وأنا أقابل أصدقائي السوريين القدامى أنني سأكون عاطفية إلى هذه الدرجة، كنت ظننت أن «7» سنوات من القهر اليومي لما يحدث في سوريا، و«5» سنوات من البعد الزمني والمكاني عنها، إضافة إلى تجربة مرض خطيرة كادت تودي بحياتي تعرضت لها قبل عام، كنت ظننت أن كل ذلك كفيل بأن يحولني إلى امرأة أكثر صلابة وأقل تأثرا بالاستماع إلى سير وحكايات سورية، اعرف أغلبها، عبر الفيسبوك أو عبر المقالات المنشورة عن سوريا، أو عبر الفيديوهات المتواصلة التي تصور جزءا كبيرا مما يحدث هناك، وعبر نشرات الأخبار وتقاريرها في المحطات الإخبارية، قبل ان تصبح سوريا كلها خبرا هامشيا.
قبل أن أذهب إلى لقاء الأصدقاء السوريين القادمين من سوريا، كنت أشعر بالخوف بيني وبين نفسي، كنت أظن أنني سأقابل أشخاصا تمكنت الحرب من تدميرهم نفسيا، أو على الأقل جعلت منهم أشخاصا أكثر كآبة وحزنا مننا، نحن الذين نعيش في الخارج، كان شعورا بالذنب يرافقني طيلة المسافة في طريقي إليهم، إذ سأبدو أمامهم كما لو أنني منفصلة عن الواقع، أنا التي أعيش في بلد لاأشعر فيها بخطر الموت كل لحظة، ولا بفقدان مقومات الحياة الطبيعية، غير أن ما حدث هو التالي: كانت مساحة من البهجة والطاقة الإيجابية المشعة تنتظرني في أحد مقاهي بيروت، الجدار الذي وضعته في عقلي اثناء طريقي إليهم انهار منذ أول عناق، كأننا التقينا أمس وتواعدنا على لقاء آخر اليوم!
لم تبد أية مسحة كآبة على وجوه أصدقائي، لم يكونوا فرحين أيضا، لكنهم كانوا اقوياء، تلك القوة الخفية التي تسطع كنصل رمح قادر على بتر الفراغ، لم اكن أحتاج لسؤالهم عن أوضاعهم، أعرفها جيدا، كنت أود سؤالهم عن سبب هذه القوة والتحدي الذي أراه في أعينهم، لكنهم سألوني هم عن نظرة الانكسار التي شاهدوها في عينيّ، أو بالأصح وجهوا إلى اللوم على ما انتبهوا إليه من شعور ذنب يلبسني: من حقك أن تعيشي أينما شئت، قالوا لي، من حقك البحث عن أمانك النفسي والجسدي، لا تشعري بالذنب، ستعودين وسنكون في انتظارك، وأقول طوبى للحياة، لمن يعرفون كيف يعيشون متحدين الموت وصناعه.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
05/12/2017
2781