+ A
A -
يمكن القول إن الشائعات السياسية ليست من قبيل ما هو عرضي أو طارئ على الحياة السياسية في تونس طيلة تاريخ دولة ما بعد الاستقلال غير أنه من الأكيد أن الشائعات قد أخذت بعدا مختلفا بعد الثورة خلافا للصورة التي كانت عليها زمن الاستبداد. فقد كانت الإشاعة السياسية في زمن حكم بن علي تتغذى أساسا من التعتيم الإعلامي، وغياب حرية تبادل الأخبار، وحالة الرقابة الرسمية المفروضة على الإعلام وحرية تداول المعلومات، ولهذا تميزت الشائعة السياسية حينها بكونها بطيئة يتم الترويج لها همسا وبهدوء، وهو ما يمنحها كثيرا من المصداقية في نظر المتلقي.
خاصة في ظل الغموض الذي يلفها، وغياب أي مصدر يمكن أن ينفيها. وقد استفادت المعارضة السياسية حينها من الإشاعات في تقويض نظام الاستبداد، خاصة مع تصاعد روح التمرد وظهور البشائر الأولى للثورة التونسية، حيث أصبح عمل الإشاعات متساوقا مع ثورة المعلومات وانتشار مواقع الاتصال الاجتماعي، ويكفي أن نذكر في هذا السياق الدور الايجابي الذي لعبته الإشاعة التي تحدثت عن رفض قائد الجيش أوامر بن علي للمشاركة في قمع جموع الجماهير الثائرة. على أنه في المقابل برع النظام الاستبدادي في استخدام سلاح الشائعات ضد خصومه تشويها وتحطيما، كما تم توظيف الشائعة للتحكم في الناس وإخضاعهم خاصة تلك التي كانت تُطلق لاستطلاع توجهات الرأي العام ومدى تفاعله مع الإجراءات الاقتصادية أو السياسية التي تتخذها السلطة حينها.
أما بعد الثورة فقد تحولت الشائعات في المجال السياسي إلى جزء أساسي من المشهد العام في البلاد، سواء في إطار الصراع الحزبي أو أثناء الحملات الانتخابية وعلى الإجمال يمكن تصنيفها إلى نوعين، الشائعات المقصود منها توجيه الرأي العام وإعادة برمجة المتلقين في سياق سياسي معين حيث استخدمت القوى النافذة من بقايا النظام السابق الشائعات أداة للعودة إلى المشهد السياسي وتصوير البلاد وكأنها تسير إلى الهاوية في ظل الأحزاب التي وصلت إلى السلطة بعد انتخابات 2011 وقد تمكنت بالفعل من استمالة قسم هام من الجمهور الذي يبحث عن الاستقرار والخروج من الحالة الانتقالية، وكان المظهر الأشد قتامة لسيطرة منطق الإشاعة بصورتها الممنهجة ما تم ترويجه ضد الرئيس السابق المنصف المرزوقي وتحميله كل مساوئ المرحلة من ضعف اقتصادي وإرهاب وصولا إلى القمامة في الشوارع.
وقد حققت هذه الشائعات أهدافها مع تحقيق نداء تونس نتائج مهمة في انتخابات 2014 وتوليه السلطة ليكتشف الجميع أن ما قيل لا يعدو أن يكون مجرد حرب دعائية مع فشل أركان الحكم الجديد في إنجاز أي تغيير فعلي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. أما النمط الثاني من الشائعات فهو القائم على استهداف الشخصيات السياسية المختلفة، سواء عبر الحديث عن تورطها في فساد محتمل، وأحيانا تأتي الإشاعة للتمهيد لإقالة مسؤول حكومي أو تصفية حسابات خفية بين أجنحة سياسية داخل حزب واحد.
وربما كانت الميزة الأساسية لشائعات هذه المرحلة من الصراع السياسي كونها سريعة الانتشار وتتمدد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تفقد تأثيرها لصالح إشاعة جديدة يتم تسويقها بذات الأساليب. ويمكن القول إن جميع الأحزاب وغالبية الشخصيات السياسية في تونس كانت هدفا لإشاعات معينة بشكل أو بآخر، وربما كانت الإشاعة الأخيرة التي استهدفت رئيس الجمهورية دليلا على حالة التوجس التي تسود المجتمع التونسي في ظل غموض المشهد السياسي بصورة عامة.
وإذا كانت تونس بعد ثورتها تتمتع بمجال للتعبير الحر على المستوى الإعلامي لتداول الأخبار والمعلومات وهو ما يُفقد الكثير من الشائعات فاعليتها فإن الخطير في الموضوع هو تورط بعض وسائل الإعلام في ترديد شائعات.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
05/12/2017
3387