+ A
A -
في الآونة الأخيرة كانت نيودلهي محطة للعديد من المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس. حدث هذا بـُعيد إعلان الرئيس دونالد ترامب لسياساته الخاصة بأفغانستان ومنطقة جنوب آسيا والقائمة تحديدا على تأمين الاستقرار في الأولى وتصفية الحركات الإرهابية المتطرفة فيها، والتصدي للصين لجهة محاولاتها سحب الثانية إليها من خلال مبادرة طريق الحرير المعروفة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ في عام 2013.
ربط المراقبون بين الحدثين فقالوا إن الولايات المتحدة تسعى من خلال توددها إلى الهند إلى أن تقنع الأخيرة بممارسة دور عسكري في المستنقع الأفغاني خصوصا بعدما اقتنعت واشنطن بأن الرهان على باكستان في هذا المجال لم يجد نفعا بدليل ما قالته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة «نيكي هايلي» في أواخر أكتوبر المنصرم من أنّ الهند بمقدورها مساعدة الولايات المتحدة في مراقبة باكستان لأن «بلادها لن تتسامح مع أي حكومة تدعم الإرهاب» على حد قولها. هذا ناهيك عما قاله تيلرسون قبل بدء زيارته لجنوب آسيا في أكتوبر الماضي من أن واشنطن تعقد الآمال على الهند في مواجهة الصين في المحيطين الهندي والهادي وأن العلاقات مع الهند سوف تمثل أولوية لبلاده على مدى السنوات المائة القادمة.
وبقدر ما أزعجت هذه التصريحات والمواقف الأميركية إسلام آباد الحليف السابق لواشنطن في حقبة الحرب الباردة، فإنها أشاعت الفرح والارتياح لدى المسؤولين الهنود خصوصا بعدما صارت الولايات المتحدة مصدرة رئيسية للسلاح للجيش الهندي ومن ضمن كبار الشركاء التجاريين للهند.
على أن الهند، رغم ارتياحها من المواقف الأميركية المؤيدة لها والمشجعة لأدوارها الإقليمية، والحذرة من ممارسات جارتها الباكستانية اللدودة، فإنها أذكى من أن تـُساق إلى حيثما لا تريد، خصوصا إلى أفغانستان التي لم تتورط فيها لا قبل حرب الجهاد ولا بعدها بل كانت، زمن رئيسة حكومتها الأسبق أنديرا غاندي، من أشد المعارضين للتدخل في شؤونها، ومن أكثر الدول تحذيرا من عواقب مد المجاهدين الأفغان بالسلاح والعتاد.
صحيح أن نيودلهي اليوم منخرطة في أفغانستان برضا وعلم حكومتها الشرعية، لكن دورها لا يتجاوز تقديم المساعدات المدنية والفنية والتقنية، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، وتأهيل قوات الأمن والدرك بهدف انتشالها من وضعها البائس ووضعها على الطريق الصحيح الذي يساعد على اجتثاث عوامل ومسببات التطرف والإرهاب. وبالتالي فهي غير مستعدة للتدخل في أفغانستان عسكريا، حتى لو كان في ذلك انتصار رمزي على منافستها الباكستانية في هذا البلد سيئ الحظ.
ولعل أسباب الحذر الهندي هو ما صرح به أحد قادة الجيش الهندي المتقاعدين من أن كل أجنبي قاتل الأفغان تحول إلى عدو دائم لهم، والهند بالتأكيد لا تريد أن تنعت بهذا النعت. أضف إلى ذلك أن الهند لم يسبق لها تاريخيا أن أرسلت قواتها للقتال خارج حدود شبه القارة الهندية إلا في حالة سريلانكا التي كانت لها ظروفها الخاصة المتأتية مما كان لمتمرديها التاميل من روابط إثنية مع سكان ولاية تاميل نادو الهندية الجنوبية.
أما بالنسبة للرغبات الأميركية حول دور للهند في التصدي للطموحات الصينية (أو حتى الروسية) فيمكن القول إن نيودلهي مترددة في القيام بمثل هذا الدور لأنه يتناقض مع سياساتها الخارجية والدفاعية المعلنة والقائمة على إيجاد نوع من التوازن في العلاقات مع القوى العظمى بدليل أنها في الوقت الذي ترتبط فيه مع الولايات المتحدة بعلاقات استراتيجية وثيقة تتقارب أيضا مع موسكو عسكريا، ومع طوكيو اقتصاديا وبحريا، ومع الصين تقنيا.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
03/12/2017
2445