+ A
A -

لقاء القمة الذي جمع رؤساء روسيا وتركيا وإيران له بُعده في ما يتعلق ليس بمصير الملف السوري وحده، بل أيضاً ببقية الملفات العربية؛ فوفقاً لما ترشح عنه من أنباء يمكن أن تتغير معادلات الصراعات هنا وهناك ومن ثم مآلاتها. وعلى الأطراف العربية أن تقرأ الحدث جيداً ليس من منطلق التوجس والريبة أو حتى الهلع، وإنما من منطلق التدبر والمراجعة والتأقلم مع المستجدات واقتناص الفرص.
إذا سارت الأمور وفق مقدماتها فإن فرص العرض الذي طرحه الرئيس الروسي بوتين بخصوص عقد لقاء موسع في سوتشي يمثل كل ألوان الطيف السياسي السوري لحسم المسائل المفصلية كالدستور والانتخابات ومصير الأسد بالطبع، فإن الملف السوري يكون قد دخل فصله الأخير في اتجاه الحل السياسي.
لا يدعي أحد أن هناك صيغة جاهزة اليوم لإغلاق الملف السوري، ولكن لا أحد يستطيع تجاهل أن الأطراف الثلاثة لن تسمح بصيغة لا تتفق مع ما توافقوا عليه لا لشيء إلا لأنهم هم الذين حسموا مصير التطورات العسكرية والذين يتحملون مسؤولية ضمان نجاح أية تسوية في المستقبل.
شيء من هذا جرى من قبل في العراق؛ حيث تكفل التحالف الدولي بحسم المعركة مع «داعش» عندما وفر الدعم اللازم للقوات العراقية فضلاً عما خاضه من ضربات ضد التنظيم.. في الحالتين: العراق وسوريا كانت هناك أدوار عربية بكل تأكيد، ولكن التطورات على الأرض لم تكن تعترف إلا بمن يستطيع تغيير موازين القوى في المشهدين العراقي والسوري، وقد تم ذلك بقوة السلاح، ليس من الجانب العربي وإنما من الجانب الخارجي.
في الحالة الليبية هناك تحرك مشترك من دول الجوار وهي الجزائر وتونس ومصر. ولكن من وضع اللبنة الأولى للحل كانت الأمم المتحدة من خلال ممثليها عبر اتفاق الصخيرات، وبالمقابل لم تتوقف لقاءات دول الجوار، إلا أنها لم تتوصل إلى نتيجة. والمعنى في نهاية المطاف هو أن الطرف الخارجي أي غير العربي هو الذي لا يزال يتحكم في مسار حل الأزمة.
وأما في الحالة اليمنية فمن المعروف أن مجلس التعاون الخليجي اضطلع بدور مشهود في جهود حل الأزمة وقت اشتعالها. ولكن الأزمة راوحت مكانها، لا لشيء سوى لأن المجتمع الدولي- وتحديداً الأمم المتحدة- لم يقم بواجبه، لأن الأطراف الخارجية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد مثلما قالتها في قمة سوتشي.
حتى الأزمة الأخيرة التي تعرض لها لبنان على خلفية استقالة رئيس وزرائه سعد الحريري، جاء الحل من الخارج ممثلاً في فرنسا التي لعبت دور رجل المطافئ؛ حيث تمكنت من إقناع الحريري بالعودة إلى بلاده ومن هناك عدل عن استقالته.
إلى هنا فإن نصف الكوب الفارغ يقول إن مصير الملفات العربية بيد القوى الخارجية التي تصوغ حلولاً تحقق مصالحها أولاً، حتى إن كان ذلك على حساب المصالح العربية، فتلك دائماً هي لغة المنتصر. ولكن نصف الكوب الممتلئ يقول شيئاً آخر مختلفاً فيه من الفرص ما هم ممكن للجانب العربي. في السنوات الأخيرة كان الطرف الخارجي متدخلاً وبقوة وليس مستدعياً لسببين رئيسيين هما انتشار التطرف والإرهاب الذي طال أراضيه وكان مصدره المنطقة، وحالة عدم الاستقرار التي ضربت المنطقة تحت وقع ما أصبح يسمى بالربيع العربي، وهي حالة تهدد مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية وإسرائيل، فكان له التدخل وبشكل فج. الآن قاربت نهاية الإرهاب بهزيمة داعش وهناك انتفاضة داخلية في كل الدول العربية ضد التطرف، وتوقفت توابع زلزال الربيع العربي، وعليه فإن الدوافع التي تجعل الطرف الخارجي مقحماً لنفسه تتضاءل تدريجياً، ومن ثم تتزايد فرص استعادة اللحمة العربية والقدرة على مواجهة الأزمات بالإمكانيات الذاتية والقومية. إلا أن ذلك مشروط بتحقيق متطلبات استعادة اللحمة العربية من ناحية، وتعزيز خطوات الإصلاح داخلياً من ناحية أخرى، وكلاهما ليسا ببعيدين عن التحقق إن تم تدبر المستجدات ومآلاتها.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
02/12/2017
2414