+ A
A -
كثيرة هي القضايا المحقة والصادقة والتي كثيرا ما يتخلى عنها المرء إذا كان الهدف هو الوصول الى تسوية ما تجاه إحداها. غير ان رائحة الظلم التي يفوح منها، أعلى من التستر عليه او إخفائه.
وكيف استطاعت محاكم لاهاي الدولية، بل كيف يحق لها ان تحاكم مجرمي حرب صربيين ادينوا بقتل عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة وكوسوفا، وبالدليل القاطع، في الوقت الذي يُترك فيها سفاحون في سوريا ينجون من جرائم إبادة تقليدية وكيماوية اثبتتها الامم المتحدة، ومئات من أعداء الانسانية الاسرائيليين الذين تفوقوا على زملائهم الصربيين من امثال ميلوسوفيتش وميلاديتش وغيرهما الكثيرين؟؟
ولم تتورع اسرائيل عن ذلك فحسب، بل وَرّدت اسلحة الى ميلاديتش الذي قتل العديد من الاطفال والنساء والشيوخ، بعد ان وعدها بإنقاذ قافلة يهود محاصرة في سراييفو. وفي غمرة مثل ذلك التعاون الإجرامي بين رموز حرب الابادة، يبقى السؤال: لماذا يحكم على جزاري صربيا بالمؤبدات، فيما الاسد يبقيان دون محاسبة او مساءلة رغم جرائمهما التقليدية والكيماوية، وكذلك مئات من مرتكبي جرائم حرب تطهير عرقي ضد آلاف المسلمين في فلسطين وفي مقدمتها مجزرة دير ياسين التي غيرت مجرى التاريخ القذر في فلسطين والذي ما زال على قذارته منذ سبعة عقود؟
يستطيع محمود عباس بتوقيعه ان يحيل القتلة اليهود في فلسطين الى المحاكم الدولية، لكن اصدقاء اسرائيل العنصريين من امثال دونالد ترامب يهدده ليس فقط بقطع الرواتب عن موظفي السلطة، بل بقتله وحتى قصفه بصاروخ إذا اضطر لذلك!
وعلى ضوء المخاطر المترتبة على إخبار العالم بتفاصيل الفظائع غير المسبوقة التي نفذت بحق الشعب الفلسطيني لترويعه وتشتيته عام 1948 وقبلها وبعدها، ورضوخ عباس ومعاونيه لمشيئة واشنطن، استغل اعداء الانسانية ظروف الفلسطينيين وأجبروا قيادتهم الرسمية على الامتناع عن تقديم الآلاف منهم للعدالة.
ومع يقينٍ عبّر عنه محللون اسرائيليون، خلاصته ان السبعين عاما الاخيرة لم تقرب اسرائيل من الشرعية، بل أبعدتها عنها بعد النجوم عن الارض، ومع تأكيدهم بأن الدولة الحالية القائمة في فلسطين هي ثنائية القومية رضي من رضي وأبى من أبى، فإن هروب العدو الى الامام يزيد الامر خطورة وصعوبة واشتعالا، وتعقيدا.
أما المحادثات الجارية منذ اسابيع بين حماس وفتح لتحقيق المصالحة، فهي مجرد كلام فارغ، وما تلجأ اليه حركة المقاومة الاسلامية المصنفة ارهابية في اميركا وأوروبا، هو لعب على الوقت، وما تسليمها المعابر والمخافر إلا اسلوب للارتماء بأسلحتها وأنفاقها بأحضان ايران، بعد ان حول اعداء الشعب الفلسطيني قطاع غزة الى مكان لا يصلح للعيش الآدمي.
اما سكان غزة الذين املوا ان يروا القمر ولو لليلة ، فيدركون ان الحياة باتت مستحيلة في القطاع، وعلى علم ايضا بأن الشرق الاوسط كله خراب بفضل اسرائيل. فالحل السوري المأمول احتمالاته اكثر من ضعيفة والقوات الاميركية تتنقل بتوتر بين كركوك والموصل والسيسي يطلب مهلة للقضاء على داعش وهو نفسه يحتاج الى مهلة للحكم. اما الكنيست فهمه الاول هو إنقاذ نتانياهو من تهم الفساد التي تحيط به، علما بأنه طيّر الملايين الى اوروبا.. على سبيل الاحتراز من المستقبل!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
01/12/2017
3566