+ A
A -
ليس من الغباء أن يكون لدى المرء حلم، فهذا أمر طبيعي، إنما الغباء هو ان لا يكون لديه حلم، قرأت الارملة هذه الجملة في كتاب يخص ابنتها الكبرى المدمنة على القراءة، ومنذ طُرحت فكرة العمل وهذه الجملة لا تفارق ذهنها، بات لديها حلم...بات لديها حلم..لا يتأخر الوقت أبدا على الاحلام.. تستطيع ان تحلم في أي وقت وأي عمر؛ لذا وجدت نفسها في ذلك المساء تختلف ولأول مرة مع ولدها البكر، أقرب أولادها إلى قلبها، ربما لأنها تعاملت معه منذ البداية كصديق، الثلاثة الذين جاؤوا بعده باتوا اصدقاءها أيضا، تحكي لهم كل ما يخطر في بالها دون تحفظ، وهم كذلك، لكنه يبقى أول الاصدقاء، أول فرحتها... الأول دائما يكون وضعه مختلفا مثله مثل كل البدايات، مميزة ومختلفة، لذا حين سمعته يقول انه ولي امرها، تمرد شيء ما في داخلها ودفعها للاعتراض، فبعد ان اطلعتهم على الوضع ظلت صامتة طوال النقاش المحتدم، لديها أربعة محامين..أربعة مدافعين.. لذا لم تكن بحاجة للكلام، لكن جملة ولدها –روحها- وصديقها دفعتها للتخلي عن صمتها «لست ولي امري يا بني كما أنني لست ولية أمرك الآن، اختار والدك اسمك قبل ان تُولد، واختار مدرستك عندما كبرت قليلا، وكنت أختار لك ملابسك والعابك، وتدخلنا دون ان تشعر في اختيارك لأصدقائك...لكننا لم نتدخل في التخصص الذي رغبت في دراسته، وليس من حقنا ان نجبرك كما يفعل بعض الآباء على ذلك، لم يكن والدك متعلما، لكنه كان يدرك هذه الحقيقة...لقد كبرت ومن حقك ان تقول رأيك وتدافع عنه، ومن واجبي أن أقول رأيي وأتراجع عنه ان لم يجد قبولا لديك، وذلك لأن القرار الاخير يعود اليك، يخصك، وفيما يخصني...لن أسمح لأحد بعد اليوم أن يقرر عني» وهذا ما حدث!
اختارت تلك السيدة العمل الحر، وخلال بضع سنوات اصبحت سيدة اعمال ناجحة يفخر بها أبناؤها واحفادها، لكن والدتها لم تغفر لها عصيانها للفرمان الذي أصدرته«بعدم العمل» وحتى كتابة هذه السطور لم تر والدتها ولم تسمع صوتها،..وباءت كل محاولتها للصلح بالفشل..بل ان والدتها المتدينة التي لا تفوت فرضا وتحج كل عام أوصت الا تحضر تلك الابنة عزاءها بعد ان تموت! لقد واجهت صعوبة بالغة في فهم تلك الجدة القاسية ومن هم على شاكلتها! ماهي مبرراتهم؟ أسبابهم؟ ولماذا يظن الكثيرون ان لهم الحق في امتلاكك كما قالت الباحثة والكاتبة سارة فولدينغ: «في حين لا يملكون شيئا سوى أنفسهم. لدينا الحق بأن نثري أنفسنا...نمنحها السلطة، نثقفها،نُشكلها، نتجاوزها، نحولها إلى ما نريد، أو نسيئ معاملتها حتى! قد نتملًك سيارات، شققاً،منازل، طائرات، دراجات، ملابس، مجوهرات، أو أثاثاً في المنزل، وقد يكون لدينا على الورق عقود زواج ورهن، وصايا، شهادات جامعية، ولكن أذا اختفت كل هذه الاشياء؟ لن يتبقى لنا سوى ذاكرة باهتة تذكرنا بأننا امتلكنا كل تلك الاشياء ذات مرة، في الواقع لا شيء ينتمي لنا فعلا، قد نكون علاقات زواج أو علاقات حب أو صداقة، ولكننا لا نملك شركاءنا، إنهم أحرار، لهم حرية الحب وحرية النفور، حرية البقاء أو الرحيل، إنهم ليسوا بعضا من ممتلكاتنا، ونحن لسنا التزامًا عليهم الوفاء به، لا توجد طريقة تُمكنك من الحفاظ على إنسان يريد المغادرة، بإمكانك فقط أن تحب ما حولك بينما هو حولك، قد يكون لنا أبناء، الآن أو مستقبلا، لكنهم هدايا، وليسوا أملاكاُ، لهم حرية الرحيل أيضا في أي وقت، لا يمكنك استغلالهم، أو إساءة معاملتهم، أو إثقالهم بطبقات من عقدك الاجتماعية والدينية التي لم تستطع حلها، إن الله عز وجل وهب الحرية لكل الناس، كنا حفاة عندما ولدنا، وسنكون كذلك عندما نموت» والحب كل الحب يتلخص في الجملة التي قالها الشاعر «طاغور» الحب لا يطالب بالملكية...بل يهب الحرية.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
29/11/2017
5034