+ A
A -
زرت باماكو عاصمة مالي زيارة خاطفة. وجدت أن الإجراءات الأمنية في مطار باماكو باتت مشددة إلى حد مزعج. مرافق المطار أدخلت عليها تحسينات كثيرة. خمنت أن ذلك بسبب انتشار قوات فرنسية في مالي في إطار عملية واسعة لمكافحة «الإرهاب».
تذكرت كيف كان هذا المطار قبل سنوات. كان ذلك في بداية التسعينيات.
قال ضابط الجوازات في مطار باماكو لا فض فوه لابد من دفع رسوم تأشيرة الدخول بالفرنك الإفريقي وقال بحزم «لا نقبل أي عملة أخرى».
لكن ياحضرة الضابط ليس معي عملات بالفرنك الإفريقي لماذا لا تقبل الدولار، أعتقد أنه عملة متداولة في جميع أركان المعمورة.
كنت قد وصلت باماكو عاصمة مالي ليلاً متعباً مرهقاً أغلق النوم جفوني بعد رحلة مضنية في بعض عواصم غرب إفريقيا من فريتاون (سيراليون) إلى كوناكري (غينيا) بطائرة متهالكة تابعة لخطوط غانا ومن كوناكري بطائرة أكثر تعاسة إلى داكار عاصمة السنغال.
كانت وجهتي داكار لكن السنغاليين سامحهم الله رفضوا دخولي البلاد على اعتبار أنني صحفي يعمل على «تسميم» العلاقات السنغالية العربية.
هكذا قال لي ضابط الجوازات في داكار.
لكن كيف حدث هذا التسميم؟
في صيف 1989، اندلعت حوادث وصدامات بين السنغال وموريتانيا، والحق يقال إن السنغال استغلت الماكينة الإعلامية الموجودة في داكار لتزييف حقائق ذلك النزاع. إذ كان ولا يزال معظم مراسلي الصحف ووكالات الأنباء المهمة يتخذون من داكار مركزاً إقليميا لتغطية أحداث غرب إفريقيا.
من الطبيعي أن يتأثر المراسلون بما تقول وسائل الإعلام السنغالية، في ظل غياب تام للإعلام الموريتاني.
سافرت أيامئذ إلى نواكشوط لتغطية الأحداث من الجانب الموريتاني.
شاهدت بأم عيني كيف تعسف السنغاليون على الجالية الموريتانية التي تقيم في السنغال منذ عشرات السنين.
احتفظ السنغاليون بانطباع سلبي للغاية حول تغطيتي لتلك الأحداث.
اتذكر الآن أنه بعد المصالحة بين الدولتين التقيت الرئيس الموريتاني أيامئذٍ معاوية ولد سيد أحمد الطايع قلت له مازحاً: سيادة الرئيس تصالحتم مع السنغال لكنني مازلت أدفع شخصياً ثمن ذلك الخصام».
كان اسمي قد وضع على لائحة الصحفيين غير المرغوب دخولهم داكار، لذلك بادر أحد ضباط أمن المطار إبلاغي بقرار الإبعاد.
كانت هناك طائرة تابعة للخطوط الإفريقية (إير أفريك) جاثمة فوق أرضية المطار وعلمت أنها متجهة إلى باريس عبر باماكو.
هكذا وصلت إلى عاصمة مالي تلك الليلة، ولم تكن معي تأشيرة دخول.
فور أن علم ضابط الجوازات أنني وصلت إلى البلد دون تأشيرة طلب مني الانتظار.
هذا الانتظار سيطول حتى الفجر.
كانت الإجراءات في مطار باماكو سلحفائية. الناس ليسوا في عجلة من أمرهم.
إذا لم تغادر المطار خلال ساعات، عليك الانتظار إلى اليوم التالي فماذا يضير ألست في حالة سفر.
استسلمت لقدري وتكومت في أحد الكراسي.. أنتظر.
قرب الفجر استدعاني ضابط جوازات مطار باماكو، وبعد أسئلة وأجوبة حول أسباب الزيارة وما إلى ذلك وافق مشكوراً على منحي تأشيرة دخول لمدة أسبوع.. فقط.
شكرته جزيلاً. طلب مني تسديد رسوم التأشيرة.
كان مبلغاً متواضعاً لكن الرجل أصر أن أسدد بالفرنك الإفريقي، وهي عملة كانت تتعامل بها دول غرب إفريقيا وتصدر بتغطية من طرف الفرنك الفرنسي قبل أن يظهر السيد «يورو».
حاولت إقناع ضابط الجوازات بتسديد الرسوم بالدولار لكن دون جدوى.
طرأت لي فكرة قلت: «يا سيدي رسوم التأشيرة تعادل ما بين 20 إلى 25 دولاراً، سأقدم لكم ورقة من فئة مائة دولار وأحضر غداً لاستلام ما تبقى وإذا لم أجدك فهي لك بالكامل».
رشوة مغلفة.
نظر في وجهي ملياً وقال: لكن ما الضمان ألا ينهار سعر الدولار غداً؟
قلت له حقاً لا يوجد أي ضمان لعدم انهيار سعر الدولار في مطار باماكو.

بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
21/05/2016
2951