+ A
A -
فك أسر رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري وغادر السعودية عائداً إلى لبنان بعد وساطة فرنسية.. خروجه يسدل الستار على فصل من فصول الأزمة التي أثارتها استقالته المفاجئة، ويبدأ آخر أكثر تعقيداً وصعوبةً بتسليط الضوء على جوهر المشكلة التي تؤرق لبنان الدولة وجوهر تركيبته، وتعمق الانقسام بين اللبنانيين منذ نحو عقدين بعد أن تحرر جنوب لبنان.
إنها ظاهرة «حزب الله» الذي تحول إلى دويلة تثقل كاهل الدولة وكيفية التعاطي معها.. حزب مدجج بالسلاح والعنصر البشري والقدرات القتالية، جاهز عند الطلب للتدخل، حيث ما يريد «الولي الفقيه» في طهران.
ليست حالة مستجدة بطبيعة الحال، ولكنها تتفاقم بشكل كبير مع الدور المتنامي والتدخل المتسع والمتشعب لـ«حزب الله» قي معظم الحروب والأزمات الإقليمية.. وبات أمراً يفوق قدرات لبنان على التحمل، ويهدد كيانه واستمرارية صيغة التعايش التي قام على أساسها الوطن الصغير المتعدد والمتنوع منذ أكثر من سبعة عقود.
وبعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي قرر الحريري أن يعقد تسوية مع الفريق المعطل قضت بانتخاب ميشال عون رئيساً وعودته هو إلى رئاسة الحكومة.. وتوهم أن بإمكانه أن يلزم «حزب الله»، الداعم الأساسي لعون، بسياسة الحياد وما اصطلح على تسميته «النأي بالنفس» عن التدخل في الحرب السورية، مراهناً على دور لرئيس الجمهورية في هذا المجال.. وأقنع الحريري السعودية بجدوى هذه التسوية فرحبت واستقبلت عون في أول زيارة له كرئيس إلى الخارج.
غير أن كل ذلك لم يحصل، لا بل راح عون يجاهر في مواقفه وتصريحاته العلنية والرسمية بتغطية سلاح «حزب الله» معللاً ذلك بـ«ضعف قدرات الجيش اللبناني وأزمة الشرق الأوسط».. ومؤخراً جاءت محاولة إعادة العلاقة مع النظام السوري عبر قيام وزير الخارجية (وصهر الرئيس) جبران باسيل بلقاء وليد المعلم في نيويورك بقرار ذاتي ومن دون موافقة رئيس الحكومة، تبعه الصاروخ الباليستي الحوثي (بتدريب من «حزب الله») الذي سقط في محيط مطار الرياض.. وهذا ما أفقد السعودية صوابها ودفعها للضغط على الحريري لتقديم استقالته وسحب الغطاء الرسمي عن «حزب الله».
غداً يحتفل لبنان بعيد الاستقلال (22 نوفمبر) الرابع والسبعين، ويقف عون والحريري جنباً إلى جنب لآخر مرة في العرض العسكري إيذاناً بانتهاء شهر العسل بينهما.. وفي اليوم التالي يبدأ رئيس الجمهورية استشارات نيابية ملزمة بنتائجها بحسب الدستور لاختيار شخصية لتشكيل حكومة جديدة.. وسيعاد على الأرجح تكليف الحريري مجدداً، من الخصوم قبل الحلفاء.. فإذا وافق سيجد نفسه أمام الفصل الثاني من سيناريو الأزمة الذي يفرض عليه تشكيل حكومة من دون مشاركة «حزب الله»، وهذا ما تريده السعودية. ولكنه أمر شبه مستحيل يرفضه «حزب الله» نفسه وحلفاؤه.. وإما إقناع «حزب الله» بالانسحاب من أزمات المنطقة وهذا من سابع المستحيلات، أو الحصول منه على الأقل على ضمانات جدية بالتزامه سياسة الحياد.. فكيف له أن يلتزم الحياد وهو الغارق في أوحال الحرب السورية؟! ناهيك عن أن هكذا قرار ليس ملكه وليس هو من يقرر فيه.. أم أن الحريري يراهن ربما على قدرة عون على إقناع «حزب الله» بالتراجع خطوة إلى الوراء. بدون تحقيق ذلك ليس في وسع الحريري أن يشكل حكومة، ويبقى رئيساً مكلفاً يصرف الأعمال لأشهر وأشهر حتى موعد الانتخابات في مايو المقبل.. إن ما يريده الحريري فعلياً هو الابتعاد عن الساحة في هذه المرحلة، لذلك سيعتذر عن قبول التكليف ليبدأ البحث المضني عن شخصية مستعدة لتلقف كرة النار.. إن أي شخصية مقربة ستواجه المشكلة نفسها، وأي شخصية سنية أخرى من الفريق الآخر تخشى مواجهة الشارع (السني) الذي عاد «حريرياً» بامتياز. وسيعود الفراغ الحكومي هذه المرة ليخيم على البلد لأشهر طويلة مع ما يعنيه ذلك من مخاطر وازدياد حدة التوتر السني-الشيعي، إلا إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد استنبط تسوية إقليمية سعودية-فرنسية-إيرانية أبعد من إخراج الحريري من الرياض.
سعد كيوان بقلم:
copy short url   نسخ
21/11/2017
2408