+ A
A -
عندما سمعت ترامب يقول ان سلمان ومحمد بن سلمان يعيان تماما ما يفعلانه، ادركت ان الصفقات الترليونية التي شهدتها الرياض في مايو ليست اكثر من وعود على ورق يذروها الريح، وربما لم تُسجّل على الكمبيوتر، لأن الكمبيوتر لن يصدق ما يرى وسيلفظه قبل ان ينتحر.
هذه هي الصورة التي ترسخت في ذهني وأنا أشاهد ما لم أشاهده قط من خلط للورق، وكأنني امام مجموعة من السحرة الذين لا يعرفون كيف يطعموننا الرغيف، من هذا الطرف أم ذاك.
والرئيس عون مثلي محتار، ولو عاد الحريري بعد ساعات الى بيروت، او قبل ظهور هذا المقال، فإن الاستغراب يغمرني من «راسي لساسي»، إذْ أن الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، صار فجأة مواطنا سعوديا مخطوفا ومُعرّضا لسين وجيم وكأنه مجرم فار من العدالة.
ما هكذا تدار الامور، ولو افترضنا ان الحريري ليس كفؤا ولا قادرا على وضع حزب الله عند حده، فهل يتم التفاهم معه بخطفه؟ لسنا إطلاقا مع وقوع لبنان في قبضة حزب الله، ولسنا إطلاقا مع إسناد الحزب بالطريقة المتبعة معه الآن.
وعندما تلا الحريري كتاب استقالته الذي كتبه السعوديون ظننا ان الرياض ستأكل حزب الله في نصف ساعة، وأن لبنان المحكوم تماما للحزب (دون تحفظ) سينتفض ويخرج من قمقم الطغاة.
عون ونصر الله يحكمان لبنان بالكامل، والحريري يجلس على الهامش حيث أراد السعوديون ان يسألوه لماذا أنت هكذا؟ أنا أجيبهم عنه: لأنه لا يملك قراره، أو بصورة أدق، هو ليس صاحب قرار، ويتلعثم إذا قرأ سطرا أو اثنين. لذلك يضعه عون في جيبه اليمين، ونصر الله في جيبه اليسار.
وما هكذا تحرر البلدان المبتلاة بالمستبدين، بل لعل الرياض لن ترى لبنان سيدا حرا، ما دام رجال من أمثال سعد الحريري أوفدهم السعوديون أصلا الى بيروت، فبيروت يا سادتي بحيرة مرعبة من اسماك القرش، اما الحريري فسمكة صغيرة مؤهلاته أنه ابن رفيق، ويملك مال رفيق، وما عدا ذلك لا شيء إطلاقا.
هذا هو لبنان، الدولة الوحيدة الطائفية رسميا في العالم كله، رئيسها مسيحي (ماروني) وليس ارثوذوكسيا او كاثوليكيا او ارمنيا، ورئيس حكومتها سني مثل الحريري الذي لا يستطيع ان يفك الحرف او ان يفهم معناه إذا قرأه، ورئيس برلمانها شيعي مثل نبيه بري المزمن والمدمن على التنقل بسهولة بين الوردة والمسدس.
هؤلاء الطائفيون يأكلون الحريري دون ملح، والخطأ بالتأكيد خطأ السعودية، التي لا تعرف من ترسل ومن لا ترسل الى لبنان. وبالمناسبة فإن ما اقدمت عليه المملكة في الشهور الاخيرة يتسم بصبيانية لا علاقة له بسياسة الدول.
وإذا كان الملك قد بلغ 82 من العمر، وابنه الثلاثيني يكدس السلاح دون إدراك لمكوناته وفاعليته ويحاكم الفاسدين، وهو نفسه صاحب قصر منيف ويخت بنصف مليار دولار، ويوقف الامراء الكبار مثل محمد بن نايف وأولاد الملك عبدالله ويتابع الحرس الوطني والجيش والاقتصاد ويتابع ملف الفساد وشؤون الامن والمخابرات وعشرات الملفات الاخرى، فما الذي نتوقع أن نسمعه عن السعودية والقصر وترليونات الفاسدين القابعين في «الريتز»، وما الذي سيجري للدولة في غمرة البلبلة الحاصلة، وكيف سيقطع الحريري يد إيران كما هدد في خطابه؟
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
17/11/2017
4275