+ A
A -
بعد أربعة أعوامٍ من قيامي بشراء سكني في «هاليفاكس» الكندية، فكرت في أن أقدم له هديةً تزيّن حديقته.
ذهبت ورفيقة العمر إلى مزرعةٍ، اخترنا منها شجرتيْ تفاحٍ، وشجرتيْ كمّثرى، فقد نصحني صديق ضيعاوي من لبنان بأن أغرس شجرتيْن متقابلتيْن من أيٍّ من أشجار الفواكه، حتى أضمن إثمارهما، لأن الرياح تنقل طلعَ كلِّ منهما للأخرى، فتتلاقحان، وتثمران.. معلومة لم أكن أعرفها من قبل، رغم أننا في بيت الأسرة في رمال غزة زرعنا التفاح، والخوخ والعنب والتين، وأشجاراً أخرى، كنت أراها مثمرةً، دون السؤال عن كيفية ذلك.
نجحت شجرتا التفاح، وبخاصةٍ شجرة «الريد ديليشاص»RED DELICIOUS وهو نوعٌ من أجود أنواع التفاح المتوافرة في مقاطعة «نوفاسكوشيا» الكندية والبالغة ثلاثةً وخمسين نوعاً.
قطفت تفاحةً، ولا أكبر ولا أنضج، تمنيت أن يكون قاطفُها أحداً من أبنائي، أو أحفادي المغتربين.. فنحن لا نزرع لأنفسنا عملاً بالحكمة التي تعلمناها في الصغر، حينما مرّ رجلٌ عن شيخٍ كبيرٍ كان يحفر الأرض ويسوّيها ليغرس فيها أشجاراً، فسأله:
- أوَ تأمل أن تأكل من ثمارها وأنت شيخٌ كبيرٌ؟
فأجابه الشيخ:
-غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون.
تلك هي حركة الأيام، وفلسفة البقاء، فأنت لا تعيش وحدك، منعزلاً عن ماضيك، متحجّراً عن غدك. نحن «نأخذ» من الماضي أو الموروث، ونعيش عليه ونطوّره، ويتشكّل في وجداننا وتفكيرنا وسلوكنا، بعضنا يسمّيه «عُرفاً» وبعضنا يتواضع على تسميته «إرثاً»، ولكنه في المحصِّلة النهائية: «ينبوع الحياة» الذي لا يتوقّف، ليبرهن لكل ذي بصيرةٍ أن عجلة الحياة تتحرك، ولا تعرف الملل أو الركود.
وما دمنا في أخذنا من موروثنا نشارك في تحريك عجلة الحياة، فإن من واجبنا أن نبقيها دائرةً، وبقوة كل الأحصنة المتاحة، حتى نوفر للأجيال القادمة زَخَماً يضيف إلى حساباتهم، ويشكّل لهم إرثاً يعتزون به، وعُرفاً يشارك في منظومة أخلاقهم.
من أغاني الصبا:
إيهِ يا ميُّ.. جاءكِ الحبُّ، والربيعُ عبيرٌ يضوعُ في أندائهْ
فتلقّيْ من الهوى نسَماتٍ، عبقاتٍ بسحره، وبهائهْ
مرّ عنها الربيع ريّانةَ الحُسنِ، فكانت من ضوْعهِ ورُوائهْ
هي مني لكِ، من دم الشاعرِ، من رَجعهِ، من غنائهْ..
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
17/11/2017
2908