+ A
A -
إذا كان آينشتاين قد قال انه لا يعلم بأي اسلحة ستدار الحرب العالمية الثالثة، فقد كان يعتقد ان الحرب الرابعة ستستخدم فيها الحجارة فقط. انطلق اعتقاده هذا من شدة ألمه تجاه حجم المعاناة في الحرب الثانية، ويأسه من انسانية الانسان.
لا نريد اليوم ان نتحدث عن الحروب العالمية بمعناها الشامل والمباشر، ذلك ان لدينا داخل اقليمنا سلسلة حروب اقليمية صغيرة تُخاض لصالح الكبار، ما يجعلها عالمية بشكل او بآخر.
والحرب المصغرة التي تدور اليوم بين متنافسين طائفيين وعرقيين، لا تخلو من شعارات وطنية واهمة، وتتحدث عن التساهل والتسامح، لكن أطرافها يحدوها الامل بأن يُدفع الغالب المغلوب الى حيث لا تقوم لهما قائمة.
ولم تعد حروب اليوم الصغيرة هذه كولونيولية النزعة بالمفهوم الذي ساد حتى النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. ورغم وجود التحالفات، فإن دولتين مثل كوريا الجنوبية واليابان ليستا مستعمرتين اميركيتين تتطاحنان لنيل رضا واشنطن، وبالمثل فإن ألمانيا المهزومة في الحرب الثانية ليست مستعمرة للولايات المتحدة رغم الوجود القوي للاميركيين فيها.
وفي اقليمنا الشرق اوسطي الخليجي، ليس من الضروري ان تطلَقَ الصواريخ البالستية وتُشغّل منظومات الباتريوت والإس - 400، او تُفعّل الميليشيات الطائفية او الارهابيون الدواعش للانتقام او تحقيق نصر ما.
لقد سقطت تلك الاساليب تماما بأقنعتها، وفي الواقع لم يعد الانتصار في مطالع القرن الحادي عشر منوطا بقياسه بالكيلومترات، فالانسانية والارهاب صارا منتشرين في كل مكان، كما صار الفساد جزءا من معركة طويلة الامد، فيما تتجمد السيارات المتفجرة - مجازا - في الهواء فيما ينتظر جون ترافولتا سقوطها وانفجارها بلمسة سحرية ما. ليس مطلوبا، حسبما يفرض علينا الخيال العلمي الانسحاب ثم التراجع ثم الهجوم، بل اصبح مطلوبا ان نبدأ من النهايات التي لم تتم، وأن نعتمد على التكنولوجيا والعقل في اعادة المشردين واحدا واحدا الى بيوتهم مع تقديم بطاقة اعتذار لكل منهم.
لم تعد الاساليب البربرية مجدية كوسيلة تُستخدم في هذا الوقت المتقدم من بدايات القرن الحادي والعشرين، وبات لزاما على المتقاتلين ان يتعاونوا وأن يرسموا معا حدود التفاهم بين الاسرى والمشردين الذين هم في النهاية، الآثار الجانبية البريئة التي لا يجوز ان تدفع ثمن القرارات الكارثية لرواد الغرف المقفلة.
الاخبار الآتية من عواصمنا المبتلاة بالحرب، تتحدث لأول مرة عن توافق روسي - اميركي على استبعاد الحل العسكري في سوريا، وواشنطن تدعو الى احترام لبنان وترفض تقويض مؤسساته. ربما يعني ذلك ان الناس استيقظوا، وبدأوا يتمردون على الموت، وصاروا يحتقرون الحدود بين الدول، وآمنوا بالأنسنة على كل القواعد والاحزاب.
قد يكون مجديا استغلال الجوانب السلمية من الادوات والآليات »السايبرنية« والفضائية القادرة على المساعدة في تحويل الكوابيس الى احلام. وما نقوله هنا لم يتم اختراعه، بل هو جزء من صورة اكثر انسانية تظلل العالم بالسقوف التي طالما افتقدها وبلقمة عيش حرمته منها الحروب وليس النقص المزمن في الغذاء، كما يدعي المزارعون.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
14/11/2017
2982