+ A
A -
إنَّ مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة كانَ أحدَ الظواهِر الدُوليَّة المُركَبَة والمتجانسَة في نفس الوقت؛ سياسيًا واستراتيجيًا واقتصاديًا؛ حيثُ شهَدَ منذُ إنشائِهِ سنَة 1981م العديدَ من القفزَات الناجِحَة على مختلف الأصعدَة: السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وسعى إلى تحقيقِ جُملةٍ من الأهداف النبيلَة التي أجهضَتها رُعُونَة دُوَل الحِصار والتي مزَّقت نسجَ الأخوَّة التي ربطت هذا الكيان لعقودٍ من الزمن، وبددت أهداف المجلِس التي أقرتها المادَّة الرابعة من نظامِهِ الأساسي والتي كانت تتطلعُ إلى التالي: أولاً: تحقيقِ التنسيق والتكامُل والترابُط بينَ الدُوَل الأعضاء في جميع الميادين؛ وصولاً إلى وحدتها، والواقع يُخبرنا عن أيِّ ترابطٍ وتنسيق اهتمت بهِ دول الحصار الشقيقة عندما لم تحترِم سيادة دولة قطر وأملت عليها عددًا من الشروط والمطالب غير المنطقيَّة وغير القابِلَة للتنفيذ، كما أنَّ قطر لن تُغلِق أبوابها لتُسَلِّم مفاتيحها ليَد دُوَل الحصار لكي تفعَل بها ما تشاء، فقد أُوهِمَ الأشقاء المُحاصِرون بوهمٍ كبير في زمنٍ كَثُرَت فيه موضَة الدُوَل التي تبيع سيادتها لتُصبِحَ تابعة رُغمَ استقلالِها الرسمي لتقَع بكُل استسلام تحتَ تأثيرِ كيانٍ سياسيٍ واقتصاديٍ وعسكريٍ هائل أو حتى تنضوي بخشوع تحتَ سيطرَة دولة أو دُوَل أُخرى، لكن هيهات؛ فدولة قطر ليسَت جرمًا يدورُ في أفلاكِ الأجرامِ الخليجيَّة الأخرى، بل هي كوكبٌ دُرِّي موقودّة من إيمانٍ وعزيمة ترفُض الخضوع والمَهانَة.
قارئي العزيز، أعتقد أنَّهُ لم يخفَ عليك عددٌ من المضامين الفنية التي أنتجتها دول الحصار عبر أسطول فنانيها في مجالات الغناء والتمثيل والكاريكاتير، وأعتقد أنَّهُ أصبح واضحًا للعيان كيف تمّ إقحام السياسة بالفن والتهريج بعدد من الأمور التي لا يصُح التهريج، ومما لا شكّ فيه أنَّ المادة الفنية «القصة- الأقصوصة» المقدمة عليها أن تتأثر بالنظام الاجتماعي والسياسي أيما تأثير، لكن لا يجوز أن يتأثر الفن بالسياسة ولا السياسة بالفن؛ لأنَّ أي تأثُّر من هذا القبيل يُضعِف دور الطرف الآخر إلى حدِ كبير، فالمادّة الفنية التي تظهر للشاشة والمسرح بمختلف أشكالها لا تقوم إلا بدور مناقشة القضايا الوجودية في المجتمع كالخير والشر والجمال والقُبح والموت والحياة، بينما دور السياسة ينضوي على فَضّ الإشكاليات والتحديات ووضع حلول لها، وأجد أنَّهُ من العيب أن تستخدم دول الحصار أسطولها الفني لتحقيق مساعيها التخريبية، فإقحام المنظومة الفنيَّة في قضايا السياسة هي انعكاس جديد للامعقول الخليجي- العربي الذي نشهده هذه الأيام.
من العيب أن تتكئ الحكومات على الفنّ، فسيل الأغاني السياسية التهريجية التي أعدت وغُنَّت مؤخرًا والبرامج والمضامين الدرامية التي قٌدّمَت ليست إلا دليلًا جديدًا على إفلاس دول الحصار من كُل كروتها الشيطانية المستخدمة بهدف التحريض على قطر حكومة وشعبًا.
أيُّها العزيز؛ إنَّه وفقًا للنظريَة الليبراليَّة الجديدة وهي إحدى النظريات المُفسِرة في حقل العلاقات الدوليَّة؛ فإنَّ المُؤسسات (الإقليمية- الدولية) تُنظِم المصالح بين الدول وتضعها في ترتيبات تعاونية في ما بينها، كما أنها تُساعد في التخفيف من الفوضى في النظامين الإقليمي والدولي، وتؤدي مشاركة الدول في المنظمات الدولية إلى تشجيع التعددية والتعاون كوسيلةٍ لتأمين المصالح الوطنية وتساعد في التغلب على معوقات تحقيق الاعتماد المتبادل، وهكذا جاءَ مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة في أساسه ليُنظِم المصالح بين دول المجلس ويكون وسيلةً لتأمين مصالحها الوطنية المشتركة ويضعُها في ترتيبات تعاونية في ما بينها وذلك بسبب وُجود مصالح متبادَلة في ما بينها الأمر الذي سَهَّلَ تحقيق حُلم التعاون الخليجي الذي تجلّى في التعاون والتواصل والمبادرات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنيَة والعسكريَّة المشتركَة، وإنِّي أجد أنَّهُ للاستمرار في تحقيق هذا الحُلم الخليجي الجميل فإنَّهُ على دُول الحصار أن تبتعد عن التهريج السياسي وتلتزِم وتمتثِل بقواعد التعاون، محترمةً الثقة المُعطاة لها وأن تتعامل من خلالِها، لا من خلال التهريج والأوهام والضغائن والأحقاد، فإذا حققنا هذه الدرجَة الطموحَة العالية من الترابُط سيُؤدِي بنا الحال إلى تحقيق مزيدٍ من الاستقرار المحلي والدولي والإقليمي.
إنَّ علاقة أنظمة دول الحصار بالفن تقوم على نظرية الحزب الواحد وكأنها تقوم بتكرار النظام السوفياتي البائد، لكن هذه المرة بنكهة عربية قومية.
لقد قامت هذه الدول باستخدام ذات الطريقة التي اتبعها النظام الشيوعي في الكتلة الشرقية في تعزيز الاستبداد، فهذا النظام يدفع بالفنانين إلى اتباع الأوامر السلطوية السياسية وإلا يتعرضون للسجن والنبذ وفقدان فرص العمل!
لقد حَلُم المواطِن الخليجي طوال ما يزيدُ على ستة وثلاثينَ عامًا وهو عُمر مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة في تحقيق حُلم التكامُل الخليجي الشامِل الذي طمحَ هذا التكتُل إلى تنفيذه على مدار سنواتٍ وسنوات، ورُغمَ الكثير من الفجوات التي كُنا نلاحظُها بين قرارات القمم الخليجية وطموحات شعوب هذهِ المنطقة في التكامُل والوحدة، فإنَّ الحُلم كانَ مستمرًا، وكانت القُلوب الأخوية في هذه المنطقة تتطلع بشوق لفجرٍ جديد للمنطقة ولأبنائهم وأحفادهم وسط تصاعُد التحديات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصادية والتنموية في منطقة الشرق الأوسط، وكانت شُعوب هذه المنطقة تتغنى بأهزوجة: «خليجِنا واحد، مصيرنا واحد، وشعبنا واحد، اللهُ أكبر يا خليج ضُمِّنا، أنا الخليجِي.. أنا الخليجِي وأفتخر إنِّي خليجِي والخليج كِلَّه طريجي.. تِبارَك خَليجِنا.. تِبارَك بعِزّ وهَنا»، أمَّا اليوم تجد أنَّ هذا المواطن عادَ بأحلامِهِ إلى نُقطة الانطلاقة، وأصبحَ دُعاء اليوم ألا ينهار كيان مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة.
فاللهُمَّ حصِّن مجتمعاتنا ولِمّ شمل دول الخليج العربية واحقن دماء المسلمين في كُل مكان، وأعلِ رايَةَ الحَقِّ والدِين، ولا تُشَمِّت بِنا الأعداءَ والحاسِدِين.
إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر
بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
10/11/2017
3521