+ A
A -
اليوم تُعلَن الحرب على الفساد في كثير من الدول العربية وترفع الحكومات في كل مكان شعار محاربة الفساد والفاسدين. ففي المملكة العربية السعودية أعلنت القيادة العليا في الدولة عن حملة لمحاربة الفساد الذي خُصصت له هيئة عليا لم يمض على تأسيسها ساعات قليلة حتى تم القبض على مجموعة كبيرة من الوجهاء والأمراء والمسؤولين في سابقة من نوعها بالخليج وبالمملكة العربية السعودية.
الحرب على الفساد هي دون منازع أم الحروب وسيدة المعارك في أنظمة العالم الثالث وفي بنية الدولة الاستبدادية لأن الفساد هو في الحقيقة المرض الأساسي الذي تعاني منه أغلب الدول العربية. بناء عليه فإن الحرب على الفساد حق مشروع بل هي ضرورة ملحة وواجب وطني إن لم نقل إنها تعتبر المدخل الأساسي للأمن القومي وركيزة مركزية من ركائز السلم الاجتماعي.
لكن الخلل لا يكمن في الحرب نفسها بل يمكن في توظيف الشعار من أجل أغراض أخرى لا علاقة لها بالفساد ولا بالحرب على الفساد. الحرب على الفساد ومواجهة الفاسدين هي حرب لا تختلف عن الحرب على الإرهاب التي تحولت إلى مدخل استعماري لتفكيك الأمة وللسطو على ثرواتها ومنعها من النهوض ومن التحرر من ربقة الاستبداد والاستعمار معا. إن الشعارات البراقة التي يرفعها النظام الرسمي العربي ليست في الغالب إلا أعمدة دخان كثيف تسمح له بالتغطية على سلوكاته القمعية وتساعده على تصفية خصومه وعلى ترسيخ قدمه.
لقد رفع الطغاة العرب جميعهم شعارات براقة تهدف إلى التمكين لهم في السلطة وتسمح لهم بتبرير سلوكات قمعية تتم التغطية عليها بمثل هذه الشعارات. لم يشهد نظام عربي واحد من الأنظمة القمعية وخاصة العسكرية منها انتقالا سلسا للسلطة بل تمت كلها تحت شعارات براقة مثل «الحركة التصحيحية» في سوريا مع حافظ الأسد ومحاربة «مراكز القوى» في مصر السادات و«التغيير» مع بن علي في تونس... وهي شعارات تكشفت فيما بعد عن أبشع عمليات التصفية مثل تلك التي تشهدها مصر الانقلاب اليوم باسم «الحرب على الإرهاب».
إن الحرب على الفساد لا تتم بقرارات فوقية ومراسيم مسقطة بل تتم عبر دولة المؤسسات وعبر نظام سياسي يفصل بين السلطات أو داخل دولة عادلة تحترم حقوق الفرد والمجموعة. محاربة الفساد ثقافة وتربية وسلوك قبل أن تكون شعارات للمناسبات تخفي وراءها ما تخفيه من عمليات التصفية والتمهيد لمرحلة استبدادية جديدة.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
09/11/2017
2674