+ A
A -
في منتصف القرن السابع عشر، وتحديداً في عام 1637، طلب رئيس أساقفة كانتربري «ليند» من مجلس العموم البريطاني، إصدار تشريع يحرّم شرب القهوة. في ذلك الوقت كانت حبات البن تعرف في بريطانيا باسم «حبات محمد». وكان الأتراك المسلمون هم الذين عرّفوا المجتمعات الأوروبية على القهوة ونقلوها اليهم مع فتوحاتهم العسكرية.
وقد برر رئيس أساقفة كانتربري طلبه بالتحريم على أساس ان من يشرب القهوة يصاب بالهلوسة ويخرج عن دينه –المسيحي- ويتحول إلى «التركية»، أي الإسلام.
وقد استجاب مجلس العموم للطلب واصدر التشريع بالفعل.
ربما يكون ذلك اساس توجه المجتمع البريطاني نحو الشاي. فبريطانيا تستهلك اليوم أكثر من 150 مليون كيلوغرام سنوياً من الشاي. وهي تعتبر مركزاً عالمياً لأجود وأندر أنواع الشاي وأغلاها ثمناً.
غير ان بريطانيا سرعان ما فكّت الارتباط بين الإسلام والتركية. فأثناء الحرب العالمية الأولى حاولت ان تؤسس لخلافة إسلامية جديدة. مرة في العالم العربي، ومرة أخرى في الهند ( وذلك عندما كانت الهند موحدة)، وذلك للطعن في علاقة الامبراطورية العثمانية بالمسلمين في العالم، بسبب تحالفها مع ألمانيا.
واليوم يوجد في بريطانيا أكثر من مليوني مواطن مسلم هاجروا اليها من مختلف دول الكومنولث. وقد انتخب أحدهم وهو صادق خان، رئيساً لعمدة مدينة لندن العاصمة.
وقبل أسابيع من انتخابه احتفلت الملكة اليزابيت الثانية بميلادها التسعين. وقام بإعداد قالب الحلوى الخاص بالمناسبة سيدة بريطانيا مسلمة أيضاً، ظهرت بحجابها المحتشم إلى جانب الملكة وهي تطفئ الشمعات الرمزية في قالب الحلوى.
جرى ذلك في الوقت الذي كانت فرنسا تتشدد في فرض قيود على حق المرأة المسلمة ( يوجد في فرنسا أكثر من خمسة ملايين مسلم) باستخدام الحجاب وفي الوقت الذي كانت المظاهرات في بعض المدن الإلمانية تتصاعد ضد المستشارة انجيلا ميركل على خلفية قبول لاجئين مسلمين من سوريا والعراق.
وكذلك في الوقت الذي كانت تصريحات المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة تتفاعل سلباً وإيجاباً، رفضاً وتشجيعاً في المجتمع الاميركي.
لقد قام صادق خان بمبادرتين بعد انتخابه عمدة للعاصمة البريطانية، لهما دلالاتهما المعنوية الهامة. المبادرة الأولى هي اختياره «كاتدرائية» سازيرك ليوقع على وثيقة تسلم منصبة الجديد. أما المبادة الثانية فهي مشاركته الاحتفال بذكرى المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية. والمبادرتان تعكسان موقفه الإسلامي من أهل الكتاب المسيحيين واليهود.
يزيد عدد المسلمين في العالم على مليار و600 مليون مسلم. غير ان ثلث المسلمين، أي حوالي 600 مليوناً منهم، يعيشون في دول وفي مجتمعات غير إسلامية ( في أميركا وروسيا وأوروبة، وفي الصين وكندا واوستراليا وأميركا الجنوبية). بعض المسلمين هم من أهل البلاد الأصليين. وبعضهم الآخر من المهاجرين. وكانت عائلة صادق خان من هؤلاء المهاجرين الذين كانوا يتطلعون إلى مستقبل أفضل. وقد حقق ذلك بانتقاله من السكن مع عائلته في بيت مخصص للمهاجرين (عمل والده سائق بوسطة) إلى أن تبوأ منصب عمدة أهم عاصمة في كل أوروبا.
لم يتم انتخاب صادق خان لهذا المنصب السياسي – الاجتماعي الرفيع لأنه مسلم. الا انه في الوقت ذاته لم يفشّل لأنه مسلم، وهذا هو الأهم. لقد آثره الناخبون البريطانيون على مرشح منافس هو من كبار الأثرياء.. ومن النافذين سياسياً. ولكن الاختيار وقع عليه لكفاءاته ولحسن سمعته، بصرف النظر عن دينه أو أصله. وهو في ذلك ليس نسيج وحده. ففي مجلسي اللوردات والعموم أعضاء مسلمون. وفي حكومة المحافظين الحالية وزير مسلم. وقد تم اختيارهم – أو انتخابهم- ليس على خلفية دينية، بل على اساس الكفاءة والسمعة الطيبة.
من هنا يشكل نجاح هذه الظاهرة الإيجابية أساساً عملياً لمواجهة الظاهرة السلبية المتمثلة في الإسلاموفوبيا والتي يغذيها سلوك المتطرفين الإرهابيين الذين يصادرون الإسلام ويرتكبون جرائمهم باسمه.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
19/05/2016
2419