+ A
A -
أعلن وزير الخارجية التركي د. مولود جاويش أوغلو، عن عزم الرئيس رجب طيب أردوغان زيارة مسقط، إثر تلقيه دعوة من جلالة السلطان قابوس سلطان عمان لزيارة السلطنة، والذي أُحيط بترحيب تركي وتفاؤل عبّر عنه الوزير التركي، في ختام زيارته في الثلاثين من أكتوبر المنصرم، ولعل القراءة الأولى للخبر، تبدو ضمن السياق العام للتواصل الإقليمي المهم بين مسقط وأنقرة، لكن الحقيقة أن هذه الزيارة ومرحلتها الحسّاسة، في ظل التطورات الإقليمية الصعبة تحمل أبعاداً أكبر من الزيارات التقليدية.
وخلال النصف الأول من عام 2017، وضمن زيارات لكاتب المقال، بين عُمان وتركيا، كأحد اهتمامات مكتب دراسات الشرق بإسطنبول، في دعم العلاقات الإقليمية للشرق الإسلامي، وفي حديث بيني وبين الباحثين والمسؤولين في البلدين، كان هناك سؤال يتردد، هل مستوى العلاقات بين مسقط وأنقرة وصل إلى حدٍ مقنع، أم أن هناك مساحة فراغ كبير، على مستوى الشرق الإسلامي والمشرق العربي، وإقليم الخليج العربي خصوصاً، لايزال يحتاج إلى تطوير نوعي لعلاقات الدولتين المهمتين في التاريخ، وفي الحاضر السياسي.
ومن المعروف أن علاقة أنقرة بمسقط شهدت استقراراً إيجابيا، واحتراماً متبادلاً، حتى حول الخلافات في بعض ملفات المنطقة، لكن اللحظة الحالية قدمت للبلدين، ما هو أهم من مجرد علاقات مستقرة، للبحث عن تحالفات متفاعلة، ولا يُذكر بين البلدين المسلمين مع وجود خصوصية عروبية لعمان، وأناضولية للأتراك، أي إرث سلبي تجاه بعضهما وهذا ما اُكد لي في مسقط وأنقرة.
بل إن العمانيين لعبوا دوراً تاريخياً لإنقاذ الإقليم العربي وخاصة في العراق، الذي كان له جهدٌ كبير في حماية العرب والأتراك من بعض التغولات الفارسية، وهو تاريخ مشهود ضمن كفاح الأئمة العمانيين لاستقلال المشرق العربي، أمام أوروبا القديمة أو أطماع فارس.
لكن العلاقة الثنائية اليوم وملفاتها لا تقوم على مواجهة لإيران، بل علاقة في صالح إيران المستقرة مع شعوب الأمة، لو قُدّر للحكومة الإيرانية، أن تتجاوب وتُعطي مساحة للمساعي السلمية بينها وبين بلدان الشرق العربي، وهنا أبرز المواقف بين مسقط وأنقرة، وهو رفضهما لأي عمل عسكري حربي يروج له الرئيس ترامب، الذي تتقاذف سياساته وفريقه عواصف عديدة، داخلية وخارجية من ملف كوريا إلى الأزمة الخليجية.
وبالتالي تهديد ترامب بعمل عسكري ضد إيران، هو في الواقع لا يقوم على أرضٍ صلبة، بقدر ما هو خطة ناجحة لاستنزاف حلفاء موهومين، قد يتركهم ترامب في أي لحظة، بعد أن تحصد واشنطن أكبر قدر ممكن من مصالحها، من التلويح بالعمل العسكري لإيران، ومن أزمة الخليج الذي شجع لها ترامب شخصيا.
من هنا يبرز لنا تأثير موقف أنقرة ومسقط، على هذا الملف رغم أنهما في دائرة الحلفاء لواشنطن، لكن عبر توازن حافظ على شخصيتهما الاعتبارية، ولم يذهبا كضحايا مع شعوبهم أو في حدودهم لصالح مشاريع الأميركيين، إن مهمة الاحتواء المزدوج، الذي ممكن أن تقبل به إيران، في التعاون مع استراتيجيات تحالفية بين تركيا وعمان، سيكون له تأثير كبير للغاية.
وذلك في تحييد مناطق مهمة عن حالات الحرب، ومستوى فشل الدولة في بلدان عدة، الذي ينبعث اليوم في مرحلة جديدة كلياً، بعد واقع مأساوي لحرب الثورة المضادة للربيع العربي، واستثمار حالات التطرف المسلح وغير المسلح، لبرنامج شرس جديد من التدخلات الغربية، وإحلال الحشد الشعبي كتنظيم قانوني رغم إرهابيته بديلاً عن داعش، فتسعر المواجهات الطائفية من جديد، وهكذا تستمر الصراعات والاستنزاف والقصف الغربي العسكري، والضحايا شعوب المنطقة.
إنه من الصعب أن نفترض أن هناك ملفات محددة، ستعتمدها أنقرة ومسقط في قمة الزعيمين، فالأولوية الأولى هو للعلاقات الثنائية والمصالح الاقتصادية، غير أن هذا الموقف الاستراتيجي بحسب فهمي لكلا البلدين، سيفرض تقاطعات مهمة، قد تتحول بالفعل إلى برنامج عمل تنفيذي نُجمله في هذه العناصر:
1- فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، فإن تركيا كانت ولاتزال الحليف الاستراتيجي لقطر، والذي ساهم نشر قواتها في منع تصاعد العمل العسكري المدمر، كما عبر عن ذلك الشيخ صباح أمير الكويت، كما أن عُمان مثلت الشريك الاستراتيجي لقطر، لضمان تدفق المصالح الاقتصادية، وهي تتطور اليوم بصورة كبيرة كموانئ جوية وبحرية، ودعم مركزي من عُمان لوساطة الشيخ صباح وموقع قطر في المجلس الخليجي، فكلا موقف البلدين متقاطع بالضرورة مع دعم قطر.
وهذا يعني فُرص اسناد نوعي للحل السياسي السلمي، بين السعودية وبين قطر، وهنا يُطرح سؤال مهم، هل هذا يعني أن لهذه العلاقة الثنائية موقف سلبي من الرياض، أبرز دولة خليجية، ونقول لا بكل تأكيد، فرغم الحملات الإعلامية التي سادت قديما ضد مسقط وحديثا ضد تركيا، فكلتا الدولتين تؤكدان عمليا وسياسياً، أن المملكة دولة استراتيجية في المنطقة وسلامتها الإقليمية مهمة لكل دول المنطقة.
لكن الإشكال هو تحوّل المملكة خاصة في آخر المحطات في الأزمة الخليجية، إلى موقف أبو ظبي الصراعي الشرس مع أطراف عديدة، وبالتالي اللحظة التي تعود فيها الرياض إلى التوازن الحكيم، وتخرج من كارثة استنزافها، في مشروع استهداف دولة قطر.
سوف تكون هناك فرصة واسعة لتكوين ثلاثي إقليمي مميز، هي بذاتها تحتاجه اليوم، كتوازن مصلحي بديل عن خطط بانون وكوشنير وابوظبي، والذي يجر المملكة إلى كارثة خطيرة داخليا وخارجيا، وبالعموم فإن هذه العلاقات الإقليمية تشكل دعامة مستقلة عن مصالح حروب الغرب وتل أبيب، التي تُفيد كل شعوب المنطقة ودولها، كمصالح نسبية مهمة.
2- إن المأزق الذي تمر به حرب اليمن، والمشهد الدموي والكارثة الإنسانية، ممكن أن يُشكل دعم مسقط وأنقرة لمفاوضات الكويت للحل إسناداً مميزاً لها، خاصة بعد إعلان الرياض أن الحل سياسي، وأنها تدعو مجدداً لإيجاد حل، بعد انسداد أفق العمل العسكري، والمشكلة هنا هو ولادة حروب أخرى.
بعد بدأ مواجهات عسكرية وحصار أمنى من قوات ابوظبي ضد مقاومة تعز، وبين ابوظبي والحكومة الشرعية من خلال العزل القهري لهادي وكل حكومته، ووصول مفاوضات الكويت إلى اتفاق إطلاق نار وحكومة انتقالية، سيحتاج إلى قوات فصل يرتضيها الجانبان، قد تكون عمان وتركيا هما المرشح الأفضل، لتشكيلها لإخراج اليمن من هذه الكارثة.
3- أما الملف الثالث وسبق أن طرحته كحديث بين شخصيات من البلدين، فهو ملف المصالحة الداخلية في مصر، وخاصة أن قطر صاحبة الموقف الإنساني والإعلامي التاريخي الذي ساند الحريات والحقوق للشعب المصري، وللحركة الإسلامية في مصر، له علاقة مميزة بالبلدين، والدوحة تدعم بحسب ما سمعته شخصيا، أي جهد للمصالحة مؤكدة أن الأمر يعود لأهل مصر أنفسهم.
ويبقى أن قرار الشعب المصري، في حرياته وحراكه السياسي هو صاحبه الأول والأخير، وهو من يُحدد كيف يختار كفاحه السياسي، المهم هو إخراج مصر من دائرة العنف الذي فجرته 30 يونيو، وفتح المسار أمام شركاء البيت المصري، بعد إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين، وضمان الأمن الاجتماعي لكل شرائح الشعب.
إنني أعتقد أن حكومة الرئيس السيسي، وعلاقتها الخاصة بمسقط تاريخيا، ستكون ذات مصلحة كبيرة لإنهاء هذا الملف، عبر وساطة عُمان وشراكة تركيا، وبناءً على ذلك ستُحّل أزمة توتر شرسة في المنطقة، وإن بقيت الخلافات.
في ظل أوضاع إقليمية صعبة، وخطيرة تنتهي إلى انهيارات دول كاملة، وحروب أهلية، وأحياناً يُظن بأن المتخاصمين السياسيين أبعد ما يكونوا عن الوصول إلى حل، لكن في مناسبات عديدة، فإن دور الطرف الثالث وهو مسقط بين أنقرة والقاهرة، قد يكون أسرع الطرق.
ويبقى للحركة الإسلامية في مصر وشركائها، قرارهم الخاص، لكن وقف العنف ونشر السلام بين أهل الكنانة، هدف لا يُلغي فواتير التاريخ، ولكنه بابٌ لمسح البأس عن المضطهدين، لتطلق مرحلة جديدة لحياة المصريين.
كلي أمل ودعاء أن تتحول القمة المنتظرة، التي يحتضنها الأشقاء في مسقط الخير إلى بوابة استراتيجية، تساهم في دعم السلام العربي والإسلامي للشرق، بعد أن أُحرقت المنطقة لمصالح جيوب الغرب والاحتلال الإسرائيلي.
مدير مكتب دراسات الشرق بإسطنبول

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
06/11/2017
3171