+ A
A -
وأخيراً تأكد ما ذكرناه مراراً في أكثر من مقال سابق من أن الزعيم الصيني الحالي «شي جيبينغ» لديه طموحات شخصية لا سقف لها، على رأسها أنْ يخلـّد ويبلغ مصاف المعلم «ماو تسي تونغ» مؤسس الصين الشيوعية وقائدها التاريخي الأول.. ومن هذه اللحظة وخلال السنوات الخمس القادمة- وربما إلى الأبد- سوف يسبق اسمه لقب المعلم ليصبح «المعلم شي».
ولئن استمد «المعلم ماو» شرعيته من الإطاحة بجمهورية الصين الوطنية بقيادة حزب الكومينتونغ المصنف في الأدبيات الصينية المعاصرة في خانة الرجعية والإمبريالية الرأسمالية، ومن تأسيس نظام شيوعي راديكالي على أنقاض النظام القديم وإحداث تغييرات جذرية في حياة الإنسان الصيني معمدة بالدم والقهر والبطش والاستعباد على نحو ما حدث في منعطفات الزحف الكبير والقفزة الكبرى إلى الأمام والثورة الثقافية، فإن «المعلم شي» يستند على شرعيات منها نقل البلاد في السنوات القليلة الماضية من دولة تعتمد على تصدير سلع استهلاكية رخيصة منخفضة الجودة إلى اقتصاد يركز على الصناعات والخدمات المتقدمة.. ومنها تحويل الصين من قوة مهمومة باستراتيجيات إقليمية ضيقة الحدود والمعالم إلى قوة يهابها الجيران وتتطلع إلى التوسع والتمدد في الجوار وأعالي البحار، هذا ناهيك عن شرعيته المستمدة من أمر آخر هو ضربه للفساد في مفاصل الدولة والحزب الحاكم والجيش الأحمر.
لكل هذا لم يكن غريباً أن يجدد له المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي اختتم أعماله مؤخراً كي يبقى خمس سنوات أخرى في قيادة البلاد قد تتجدد مراراً وتكراراً دون أخذ السن في الاعتبار إلى أن يغيب عن الساحة بالوفاة على نحو ما حدث مع «المعلم ماو».
ومن هنا أيضاً لم يكن مستغرباً أنْ يـُدرج فكره وخططه وفلسفته وبرامجه ذات الصلة بطريق الحرير(مبادرة اطلقها المعلم شي في عام 2013 أمام طلاب في جمهورية كازاخستان تضطلع بكين بموجبها بدور أكبر على الساحة الدولية من خلال تمويل وتشييد شبكات مواصلات ونقل وتجارة في أكثر من 60 بلداً مع تخصيصها مبلغ 124 بليون دولار لتنفيذ الخطة) ضمن ميثاق ودستور الحزب الشيوعي الحاكم وهو لايزال على قيد الحياة ويجلس على رأس السلطة، وذلك في سابقة لم تحدث حتى مع مهندس التغيير والإصلاح الراحل الزعيم «دينغ زياو بينغ» وخلفائه من أمثال الزعيم الأسبق «جيانغ زيمين» والزعيم السابق «هو جينتاو» إلا بعد وفاة الأول وتقاعد الأخيرين.
ومعنى تضمين ميثاق (مانفيستو) الحزب الشيوعي الصيني أفكار وبرامج ونظريات «المعلم شي» هو أن هذه الأمور سوف تدرس في المعاهد والمدارس والجامعات الصينية كجزء أصيل من مناهجها وبالتالي سوف تتربى الأجيال القادمة عليها.. ومرة أخرى هذا ما فعله «المعلم ماو» بـُعيد ثورته الثقافية المجنونة في ستينات القرن الماضي والتي حصدت خيرة علماء ومبدعي البلاد وأرسلتْ الملايين إلى معسكرات إعادة التأهيل النائية.
وجملة القول إنّ «المعلم شي»، خريج كلية الهندسة الكيميائية في جامعة شينخوا ببكين، استطاع من خلال المؤتمر الحزبي الأخير أنْ ينتزع زعامة وسلطة لا حدود لها مثلما كان يطمح، بل استطاع أيضاً أن يزيح عن طريقه رموزاً وشخصيات منافسة بداعي تقدمها في السن، علماً بأنه كان قد مهد لذلك بعملية لمكافحة الفساد أبعد من خلالها 1.5 مليون من المسؤولين المشكوك في ولائهم له.. كما استطاع «المعلم شي» أن يحقق شيئاً آخر مهماً هو أن يحيط نفسه بسبعة أشخاص من الموالين كأعضاء في المكتب السياسي الجديد للحزب الشيوعي الذي يعتبر أعلى أجهزة السلطة.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
05/11/2017
2511