+ A
A -
هذه الظاهرة ليست مقتصرة عليّ، فمن منا لم تستوقفه أغنية أو لحن من ألبوم موسيقي، ظل يرددها لأيام وهي على حالها عالقة بمنوال ذهنه، ومتوطنة وجدانه. تصاحبه بالسيارة ويعاود الدار فيضعها بالمسجل، وإن ضاق بها الأهل، وضع السماعات وانعزل عن العالم لفترة طويلة.
في صباي علقت بجبران ودواوينه وبأبي ماضي وقصائده وبالحكيم ورواياته، بموليير وملهاته، براسين ومأساته.
فكانت «سكن الليل» من الأغاني التي استعمرتني حتى كنت أتودد للملل ليسرقها مني.
ثم تلتها طوائف لملوك أرباب الشعر.
«أعطني الناي» لجبران، من قصيدة «المواكب».
«حبيبها» لعبد الحليم، و«يا زهرة في خيالي».
إحدى زميلات الجامعة كانت قد عَلِقت بأغنية «قدك المياس» ودندنت بها بالحرم الجامعي «قدك، أيقظ الإحساس في صدري».
فنبهتها أن «القد» يعني الجسد وسألتها: «أمن الطبيعي أن تتغنى فتاة لتقول إن قدك المياس أيقظ الإحساس في صدرها»؟
احمرت وجنتاها، ولم تصدقني حتى استيقنت من أخيها.
بعد يومين، جلسنا في الحرم ذاته، وكنت أنا من يدندن «القلب يعشق كل جميل» حتى وصلت لـ«دعاني لبيته لحد باب بيته».
فإذا بزميلتي تبادرني: «أمن المعقول أن تعلن فتاة بالحرم الجامعي استعدادها للذهاب «لحد باب بيته»؟
أوضحت لها أن الأنشودة دينية وأن المقصود هو بيت الله.
بُهتت بعدما استوثقت من والدها الذي أمّن على كلامي.
«نسمت من صوب سوريا»، «مصر عادت شمسك الذهب»، «يارا» و«شال» لسعيد عقل.
«راح حلفك بالغصن يا عصفور»، لميشال طراد، هذه الأغنية تملكتني واسرتني معانيها، وكنت أبكي ثم أعاود السمع لمعاودة البكاء.
«لست أدري» أروع ما خط إيليا في «طلاسمه».
«مضناك جفاه مرقده» لشوقي.
«I DREAMED A DREAM» والنص مأخوذة من رواية البؤساء، وعشرات النصوص تعلق بأذهاننا فتأسرنا لحقبة، نود خلالها ألا نعطي انتباها لشيء في الكون سواها.
حالة التعلق هذه تصاحب البعض في الطعام، في القراءة أو سواهما.
حكى لي قريب أنه حينما لمس تعلقه «بالشاور­ما» حتى عالج إدمانه بتناول 7 سندوتشات دفعة واحدة، حتى عافتها نفسه ثم أردف: «صرت أتجول بجانب محلات الشاورما فلا ينتابني الشعور السابق أني مدمن مخدرات مر بجانب غرزة».
والسؤال لماذا نعلق سريعًا بأشياء معينة ثم نزهدها؟
- لا أحب هندسة ردود الأفعال كما لا أطيق افتعالا بالمطلق ولا افهم ان يهدي إنسان اليك مشاعره فتتثاقل في استقبال هديته!
لكننا نلمس تغير مشاعرنا تجاه اشخاص أو أشياء دون أن نستطيع ضبط السبب رغم أننا كنا نهرع إليهم كأنهم الجنة!
- وان كان من السهل ان تعي نفورك من إنسان، فلربما أساء اليك، لكن كيف تسيء لك أغنيه ارتبطت بها؟
- ما هو ذنب كتاب كنت تعُده مرجعا ثم بت تستخدمه كمفرش، ثم ترميه كقاذورات؟
-كيف تفسرين زهدك بعطر «اورجانز» الذي كان هو وقنينته يبعثان فيك نشوة طازجة، باتت كوجبة «بايتة»؟
- صف لي كيف تجلس بالساعات تبرج بيتك وتزينه استقبالاً لضيوف تبش لهم ببسمات لا يراها أهلك، لكن حذار لو أطالوا الجلسة، فقد يفتُر استقبالك، أما لو باتوا لديك لطارئ، فقد تكرههم من فورك؟
- أتذكر حالة النشوة وانت تحمل أكياس مشترياتك من «هارودز»، والسيلفي الذي التقطه مع الأكياس كقرينة دامغة تُدين إنكارك لمحطات الفرح تلك؟
- ما بال الفساتين في الخزانة لم تعد ترقص على قدميك كما السابق ولم تعد تبعث فيك عشر معيشير نشوة الأمس؟
إحدى قريباتي لمست فتورها من ملابسها، فحصرت نفسها في ارتداء عدد معين من الدثر وأخفت الباقية عن ناظريها لعام، ثم انزلت المخفي واخفت المستخدم، وهكذا ظلت تتبادل ما أمام ناظريها في الخفاء، حتى لا تزهد ما في يدها في العلن.
- أو تنسى ولعك بجبن «الجريار»، «الايمنتال»، «الماعز»، «الماسكاربوني» و«الريكوتا»؟
لما بت لا تتناول هذه الجبن سوى من ماركة «لو بري»؟
-كيف تهجر النفس المحبوب نهائيًا؟
ان التعود عدو يبتذل النعم، وقلة يستطيعون اجترار النعم والافراح كما الإبل، فيبركون بفرح على عطايا القدر، ليبارك لهم رب القدر فيها.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
04/11/2017
4110