+ A
A -

هناك محللون على قناعة بأنه لولا زرع إسرائيل عنوة في فلسطين، لما تفجرت الحروب في الشرق الأوسط والخليج، ولما خرج من المنطقة اشد الارهابيين وحشية في التاريخ.
واذا كان هؤلاء المحللون قد ركزوا على تلك الفرضية في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشين، فقد فعلوا ذلك وهم يرون الاقتتال الطائفي والعرقي في الشرق الأوسط يصل الى ذرى غير مسبوقة من الخطورة والدموية.
غير ان تبني نظرية كهذه يتطلب الكثير من الدراسة والبحث للتأكد مما اذا كانت المظلومية التاريخية التي وقعت على الفلسطينيين اصحاب المكان الاكثر قدسية للمسلمين الى جانب مكة والمدينة، هي التي حركت مشاعر مئات الملايين منهم ضد اسرائيل والدول الغربية الكبرى التي رعت المشروع الصهيوني وسلحته ومكّنت له في فلسطين.
لذلك فإن الادعاء بأن »سيف الله صابيوف« الاوزبكي الذي نفذ هجمة مانهاتن الثانية في نيويورك فجر الاربعاء، هو واحد من آلاف الارهابيين الذين يعتمدون »إسلاما« متطرفا ومنحرفا يملك وسائل شريرة تجعله يبدو عاشقا للموت والدم، وليس عاشقا لفلسطين.
هذا الاسلام المزعوم يؤسس دُوَلَ خلافة شاذة ليس لها علاقة بالخلافة التي عرفناها، والتي اختتمت بانهيار الخلافة العثمانية عام 1924. ولا علاقة لها ايضا بتحرير المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي وفلسطين، أرض الرباط، من رجس الاسرائيليين.
ولا تكفي مهاجمة القاعدة وداعش، مواقع مدنية بالمئات في دول ذات خلفيات مختلفة الى حد التناقض أحيانا، والجمع بين العراق وسوريا والولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا ومصر والسعودية وفرنسا وألمانيا وغيرها، في مربع استهداف موحد.. لا يكفي ذلك للزعم بأن هذين التنظيمين الارهابيين يقفان ضد اسرائيل.
ولم تساعد العمليات النادرة والضعيفة التي نفذها الدواعش والقاعديون واعتُبرت معادية لاسرائيل، في تغيير اعتقاد واسع بأن بن لادن والبغدادي عميلان للصهيونية، وكذلك للولايات المتحدة التي يقول البعض انها دبرت اعتداء سبتمبر 2001 على نيويورك الذي غيّر مجرى التاريخ، مبررا لاتخاذ جورج بوش الابن القرار بتدمير أفغانستان ثم العراق، وصولا بتسونامي الانتقام الى سوريا وليبيا واليمن، وبقية دول العالم العربي، بدرجات متفاوتة.
الهدف المنطقي لهذا الاستنتاج التسلسلي هو إضعاف الأمة العربية الى درجة الخضوع للصهيونية العالمية، ما دامت الثمرة النهائية مد النفوذ الاسرائيلي على إقليمنا ومحو فلسطين من الذاكرة.
ربما يكون ما تقدم من السيناريوهات الورقية التي كتبت في الغرف المغلقة، لكن المتآمرين مهما طغوا وتخيلوا، لا يتحكمون بكل المنعطفات، والمسارات، بدليل أن وعد بلفور الذي توقعوا نسيانه، أفرز أنواعا شتى من الأحرار والنادمين والمنتقمين الذين يُحمّلون لندن أولا، ومن بعدها واشنطن وباريس وبرلين، مسؤولية الخزي والعار اللذين يجللان جبين الأخلاق والإنسانية، واللذين لن يَخْبُوا إلا بتدفيع الجناة الثمن.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
04/11/2017
3551