+ A
A -
غريبة ومثيرة العلاقة القائمة على التعاون والتصادم بين اميركا وروسيا، التي تعكس إلى حد بعيد شخصية الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونمط تفكيره ومزاجه. ويتجلى هذا الأمر بشكل خاص في كيفية تعاطي الإدارة الاميركية مع الأزمة السورية.
فهي تترك من جهة لـ«الدب الروسي» قيادة آلة الحرب الروسية ومحاولة ابقاء بشار الأسد واقفا على رجليه، ثم تقوم من جهة أخرى بتقسيم الأرض ووضع العصي في الدواليب، تترك لبوتين ان ينشد «المعزوفة» التي يريد فيما تقوم هي بضبط الايقاع، وأحيانا تلجأ إلى تقطيع الأوتار.
وهذا على الأرجح ما يريده «الاستبليشمنت» الاميركي بقيام وزارة الخارجية قبل ايام بحظر التعامل مع 39 كيانا روسيا على صلة بالجيش والمخابرات، بموجب قانون أقره الكونغرس بأغلبية كبيرة في اغسطس الماضي، وصدقه ترامب مرغما بعد ضغوط كبيرة مارسها عليه الحزب (حزبه) الجمهوري.
وقد طال الحظر شركات لتصدير الأسلحة والعربات العسكرية وشركة تصنيع الكلاشينكوف الذائع الصيت.
في الأسبوع الماضي جال وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون على المنطقة وختم جولته بزيارة إلى جنيف حيث التقى المبعوث الخاص للامم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وأعلن ان «حكم عائلة الأسد في طريقه إلى النهاية والمسألة تكمن في كيفية حدوث ذلك»، معتبرا ان السبب الوحيد لتقدم قوات النظام «هو الدعم الجوي الروسي». ولا بد هنا من ملاحظة ما صرح به دي ميستورا الذي قال ان «داعش» يتقهقر إلى الصحراء والمطلوب الاسراع في العملية السياسية»، ثم أعلن عن انعقاد جولة جديدة في جنيف، في 28 نوفمبر المقبل، تخصص لبحث وضع دستور جديد لسوريا وتنظيم انتخابات بإشراف دولي. يقابل هذا الكلام تأكيد روسيا انها ماضية في دعمها للدولة السورية (وليس النظام؟!) في حربها على الإرهاب، وتدعم في الوقت نفسه بشكل كامل المسار السياسي للحل.
جولة تيلرسون ترافقت مع سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (»قسد») على الرقة، ثم على حقل التنك النفطي في بادية دير الزور الشرقية، والذي يعتبر ثاني اكبر حقول النفط في سوريا بعد حقل العمر.
قوات «قسد» تقدمت على وقع غارات «التحالف الدولي» (اميركا) على مواقع «داعش» التي اضطرت للانسحاب. وباتت تسيطر الآن على جميع حقول النفط شمال الفرات، وتسعى للسيطرة على بقية الآبار النفطية على الحدود مع العراق. وهي تتقدم ايضا في ريف دير الزور الشمالي. ويبدو أن واشنطن ستدفع بقوات «قسد» نحو البوكمال لمنع سيطرة إيران وميليشياتها عليه لضمان فتح الطريق البري الذي يصلها بلبنان والبحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا، كما ان الضغط على طهران سيزداد عبر هذا المثلث بالتزامن مع تشديد العقوبات عليها وعلى «حزب الله».
والآن يبدو انه قد حان دور النظام السوري بالنسبة للإدارة الاميركية، بعد ان انتفت حجة استعماله في محاربة الإرهاب، فهي تعيد تحريك مسار جنيف انطلاقا من ان المعركة برأيها ضد «داعش» انتهت أو أوشكت، اذ يعيد تقرير مجلس الأمن التأكيد على مسؤولية النظام عن الهجوم الكيماوي بغاز السارين على خان شيخون، في شهر ابريل الماضي. ما دفع موسكو إلى استعمال ال»فيتو» (حق النقض) ضد الاقتراح الاميركي لتمديد التفويض لـ«هيئة التحقيق المشتركة» المستقلة والمحايدة.
وها هي المعارضة السورية على وشك توحيد كل أطيافها ومنصاتها ضمن ائتلاف واحد استعدادا لمفاوضات جنيف، كما ان واشنطن قد تمكنت على ما يبدو من اقناع رياض حجاب بالتخلي عن منصب منسق الهيئة العليا للمفاوضات تحضيرا ربما لترؤسه حكومة ائتلافية للمرحلة الانتقالية بدون بشار الأسد،كما ينص عليه قرار مجلس الأمن 2254. علما ان سوريا باتت مقسمة إلى «مناطق خفض التوتر» التي هي عبارة عمليا عن مناطق نفوذ لأربع دول أجنبية.
فيما مشكلة روسيا انها أصبحت أسيرة لامتلاكها زمام الأمور عسكريا وسياسيا، فلا أحد قادر على اتخاذ أي قرار بمعزل عنها، ولا هي تريد ان تتفرد بالقرار أو أن تتحمل المسؤولية بمفردها.
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
31/10/2017
2370