+ A
A -

في حياتنا قلة من البشر النُدُر. ما أن نفكر بهم، إلا ويبرق في قلوبنا وميض محبة بفولت عال، ينير النها، ويهدي الفؤاد لدروب السكينة، كما وتخطر في عقولنا معادلة بشرية سهلة لكنها، ممتنعة.
فلان أو فلانة = سماحة نفس + حسن خلق، مضروب في رقة مفرطة، ومقسوم على جمال رباني ملائكي، أس مليون ايجابية ناقص صفر % زيف.
تخيلهم في البعد فتسرح في منظر:
النورس بجناحيه يعلو بالسفور ويلهو مع سحب سماء اسطنبول مسابقاً السفن المتجهة لجزيرة الأميرات.
أو أجنحة الفراشات تسابق امرأة غلبها حياء حال سماعها لإطراء.
أو سعة الآفاق تخترق عقول المفكرين.
أو رائحة الجنة تداعب أنوف المحتسبين.
أو حلاوة البشرى، تمحو مرارة الصابرين.
تفكر بهم فيتلألؤون بذهنك في صورة:
خبر سار.
رضيع بشوش يتثاءب.
قطعة دانتيلا بيد عروس بتول.
طهارة عرق الكادحين.
زخات مطر تشرين.
وعاقل قرر ألا يكون حزين.
يخطرون على بالك على شاكلة:
طالب ثانوي برقت عيناه لحظة اعلان نتيجة تفوقه.
طفل يشاهد الثلوج لأول مرة فيحسبها بوظة وينغمس في التهامها.
صبية تلهو بمريول تلطخ بحمرة قانية بقعت وجنتيها وهي تتراقص في بستان الكرز.
ورقة شجر الزيزفون تتطاير ثم تقع على معصم كهل وحيد فيستبشر.
جواري اندلسيات يعصرن الكرم بقفزات من أقدامهن، لاهيات، طربات.
بصارة تحدق في بلورة شفافة.. ثم تبتسم بلطف.
شاب ورع يستمتع بسجدة.
الرومي يستلهم بشعره.
التبريزي يتأمل.
الكون يتجمل.
الشعوب تتحمل.
أما الدعوات.. فتستجاب.
تحلم بهم، فاذ بك تصحو على «يا بشراي»
تجالسهم سويعة فيخالك أنك قادر على كتابة أبيات أجمل من طلاسم أبو ماضي ومواكب جبران.
وتحسب أنك طاولت العقاد فكرًا، وشوقي نظمًا، وجوزيف حرب وسعيد عقل شعرًا، ود عبد لله شحاتة إنسانيًة وحياًء، ود. مصطفى محمود فلسفًة.
كثر عبروا جسر حياتك كما حياتي. لا، بل قلة أو ندرة لكنهم صدقًا موجودون، يسطعون كالنجوم تنير وحشة الحياة.
لهؤلاء..
لحماي، هذا الكائن الفضيل الصموت، البشوش الذي كان بمثابة حلا الدنيا وحلاها وندى الأرض وخيراتها.
لمربيتي دادة فتحية.. للدكتورة «نغم فؤاد» ولزملاء الطفولة «نهاد» و«ايمان بجاتو» و«مروة شريف» و«أمنية السرجاني» و«تيراز جاد» و«تيراز عبيد» و«شادسي ربيع» و«فريدة سليمان» و«داليا مكرم» و«لمياء رجب».
لأصحاب القلوب الذهبية للقناديل الوردية لأصحاب الوجه الصبوح الرافض للهٍرم الذين تعثرت بهم في خطوات حياتي الأولى ولكم اعانتني تلك الخطوات على عدم التعثر في الحياة، ولغيرهن من الأرواح السالمة المسالمة التي تحلو بأنفاسهن ربى الدُنى وربوعها بل وأزقتها ونواصيها.
لهذه الكائنات البشرية المستغرقين في عظمة الله، والذين نسوا الاستغراق في المنصب والحيثية والمنزلة.
لأصحاب مقامات السماء.. لمن تصدوا لسهام ابليس بالوقوف إلى جانب رب الرامي.
للطاهرين الذين لم ينجسهم عرق العدو في سباقات الحياة ودماء العراك والتناحر للوصول لمنصب أو لحيازة دنانير مصرف. لجواهر الكون الأندر التي انتصرت للإنساني بسلاح المحبة وبضمادة التسامح.
لبشر مثلنا، لا ملائكة غيب، لكنهم حاضرون رغم غرقهم في الوداعة والعطاء.. يعيشون اليوم بلا أسى على أمس مضى فقدوه، ولا هم على باكر لم يمتلكوه.
لمن سعادتهم في جلسة حلوة بصحبة طيبة أو ركعة أو سجدة عبدت قلب كالنسيم سليم وخال من شوائب الحنق والأحقاد والتطلع.
لمن بهم تستقيم موازين الحياة ولأمثالهم.. أهديهم كل التحايا والتقدير.
أبدا لن ننساكم.. فأنتم مستعمرون القلوب.. حيا وهلا بهكذا استعمار.

كاتبة مصرية
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
28/10/2017
3241