+ A
A -
من حقّ غزة أن تتجمّل، بعد المصالحة الأخيرة، التي نرجو لها الاستمرارَ، والفاعلية،بين فصيليْن أتعبانا خصومةً ونزاعا.
وأنا لا أزعم - لا سمح الله- أنها ليست جميلةً، ولكنني أقول: إن التزيُّنَ حقٌّ للجميلات، وحقٌّ لهنّ أن يتباهيْن بجمالهنّ الخِلقيِّ، وجمالهنّ المصنوع.
ولأن حبيبتي أنثى، فهي شأن النساءِ، ألوانٌ متعددةٌ من الجمال والمذاق والتذوّق، وأكثر ألوان هذا الجمال تأثيراً هو الذي تحسّ بلذعته كلما ابتعدت عنه.
وفي المدن: تلك التي توصف بأنها ذات قلب، وفيها التي توصف بأنها موحشة، وفيها ذات الأصل والأصالة، وفيها القاتمة الكئيبة، التي تبعث على الملل والضيق، وفيها تلك التي إذا مشيت إليها سرّتك، وإن غبت عنها تغنيت بها وشجاك الحنين إليها.
وحبيبتي ذات أصلٍ وقلبٍ وجمالٍ وشبابٍ لا يذبل، ولا يذوي رونقه، وبهاؤه، وريقه، أمام تقلبات الأيام، ولا يزيده تواكب العصور إلا حيويةً وحياةً وعطاءً.. تلك هي حبيبتي غزة: بياسمينها، وحنّائها، وكرومها، وزيتونها، وعنبها، وموالحها، وأحيائها العتيقة، والجديدة، وأسواقها، وقيساريتها، ومآذنها، وخاناتها، وناسها بأطيافهم، وطوائفهم، وانتماءاتهم كافةً.
بلدي غزة قُيِّض لها أن تكون أول حرفٍ في حروف الاستقلال، بالإرادة، والحرية للشعب العربي في فلسطين، وهي على مدى تاريخها الزمني العريض، لم تغيّر من موقفها في سجلّ الاحتواء لتلك المعاني والقيم.
وما الفترة العصيبة التي عاشتها خلال الأحد عشر عاماً الماضية من الحصار والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، إلا صورة من صور الاختبار الذي تعانيه المجتمعات، وتضطر فيه للكشف عن أصالة معدنها، فرغم الخصومة التي شقت الوحدة بين فصيلين فلسطينيين متنازعين، وكثرت في علاجها الأسباب والحيل، إلا أن الأصالة التي عرف بها الشعب العربي الفلسطيني، هناك، كانت شاهدةً على وجوب تخطّي تلك الأزمة، وما تفرّع عنها من علل، فبقي مواطنو غزة، وبلداتها، وقراها، ومخيماتها صامدين، رغم نسبة البطالة الرهيبة، ومشكلات الحصار الخانق.
واليوم فإن أقل ما يطلبه المواطن البسيط، هو عودة الألفة والتآلف بين جموع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وهذا وحده كفيلٌ بأن يعيد لغزة التاريخ والأصل والحضارة سيرتَها التي عرفت بها في شتّى حِقب العمران، ونحن على ثقةٍ مما نقول، فقد علمنا شعبنا هناك مفردات التصميم والصمود والتحدي.
بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
27/10/2017
2643