+ A
A -
كَمْ هو جميل أن يَجري نهرُ الحكمة بين ضِفَّتَيْ قلبِكَ وعقلِكَ! فهل تُصَدِّقُ يا صديقي أن الحكمةَ نأخذها أيضا من العصفور؟!
الْمُعَلِّم الأول في مدرسة الطبيعة ليس بآخَر سِوى العصفور، ومِن العصفور نَتَعَلَّم أشياء وأشياء، أشياء أكبر مِن أن تَجدَها في ثنايا ذاكرة كِتَاب..
أقوى اللحظات تلك التي نَقضيها ونحن نتأمل مَشْهَداً حَيّاً بَطَلُهُ عصفور، فمِنَ العصفور نتعلَّم درسَ الحرية، والحرية أكثر درس يَستَحِقّ منا أن نَحفظَه عن ظهر قلب..
وأنتَ في حضرة عصفور تَراه يَجوبُ سماءَ الله، وينثر طِيبَ صوتٍ ما أحلاه، ويَكتب ويَخطُّ بحركة جناحيه قَصيدَةَ روحٍ ولَوْحَةَ حياةٍ لا تَجِدُ قُدَّامَها إلا أن تَقولَ «سبحان الله»، جَرِّبْ أن تَستدرجَهُ إلى ما بين كَفَّيْكَ لِتعرف كيف أن العصفورَ ذاك سيَتَفَنَّن في الْمُراوَغَة مَهْما أوهمكَ بأنه سَيَنْقَاد..
العصفور يا صديقي أذكى مِن أن يَسقط في شرك الغواية مهما أغراه الْحَبُّ بين يديك، لماذا؟! لأنك لا تَعرف أن العصفورَ يَتَّخِذُ سماءَ الله مَلاذا..
العصفور يُثَمِّنُ حريته، ويُمَجِّدُها، ولذلك تَجدُه يُضَحِّي بالْحَبّ إكراما للحُبّ، إنه حُبّ الحرية الذي لا يُوازيه حُبّ، بل لِنَقُلْ إنها الشهوة التي لا تُعادِلُها شهوة، الشهوة إلى أن يَظَلَّ طليقا مَهْما كَلَّفَهُ البحثُ عن الْحَبّ بعيدا عن قَبضة يَدِكَ..
إحساس ما بَعده إحساس أن تَتصورَ أنك تتهادى بجناحيك مُحَلِّقاً كما يَتهادى قارِب حالِم على بحر عِشقِ الحرية والشوق إلى تَثمينها..
قد تملك الأرضَ طولا وعرضا، لكنْ يُقَيِّدُكَ حَبلُ التزاماتِكَ وانشغالاتِكَ، وتُرْهِقُكَ الرغبةُ في التَّخَلُّص مِن ذَيْل الواجبات الذي يَجْلِدُكَ أو التَّمَلُّص مِن وَطْأَة الوقت الذي يَسْبِقُكَ، يُعْوِزُكَ الإحساسُ بأنك حُرّ طَليق لَسْتَ تابعا لسلطة الوقت ولَسْتَ ممتثلا لسطوة المكان..
مِن الحكمة أن نَغبطَ العصفورَ، ومِن العَدْل أن نَغارَ منه، فحريته أغلى ما عنده، ومِن فَرْط تَقديسه لحريته نَرَى العصفورَ يَزهَد في الْحَبّ.. أمَّا نحن، فمعظمنا تَقتلُه اللهفة على الْحَبّ، وفي خضم تبعيتنا الجارفة للمادة نَنْسى أن نُثَمِّنَ حريتَنا فنَتَنَازل عنها تدريجيا كما يتنازل أغلبنا عن المبادئ التي سَطَّرَها لنفسه ذات يوم..
خُذُوا الحكمةَ مِن العصفور.. فالعاطلون عن الحرية هُم العاطلون عن الحياة!
نافِذَةُ الرُّوح:
«غُيوم الْحُبّ لا تُمْطِرُ في مدينة القلب الميت».
«بين الْحُبّ والحرب نقطة نظام».
«عندما تُبْحِرُ على ظهر سفينة الليل سَتَبْدُو لكَ الكواكب الْمُظْلِمَة قناديلَ بحر».
«أَعْمِدَةُ النُّور التي يَزرعها الْحُبُّ تُضِيءُ الطريقَ قُبالَتَكَ لِتَمضيَ بقلبك واثقَ الخطوات».
«رَبيع العُمر تَقتله نَظرة مِن عيون قاسية.. خَريف العُمر تُحييه وَردة مِن كَفِّ قلبٍ حنون».
«سَلْ عيون القلب لِمَ الغِياب يَأكل بَلَحَ نخلةِ الحنين، وصَدِّقْ أنها ستُجيبُكَ سَهَراً».
«شَواطئ الأملِ مَنْ هَرَّبَ شمسَها ورِمالَها وماءَها وصَيَّرَ طَعْمَه الْمالِحَ غصَّةً تَكبر شيئا فشيئا في حَلْقِ الأيام؟!»..
بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
26/10/2017
3006