+ A
A -
هل من يتذكر بشير الجميل؟ اللبنانيون يتذكرونه جيداً، وبعضهم مازال يعتبره حلم حياته الذي لم يتحقق.. وبعضهم الآخر يكرهه لدرجة أنه هلل لمقتله.. إنه القائد الميليشياوي الكتائبي الشاب (34 سنة) الذي أصبح رئيساً للجمهورية، والذي اغتيل بتفجير المبنى الذي كان متواجداً فيه بعد ثلاثة أسابيع فقط من انتخابه.. حدث ذلك في صيف 1982..
وبعد مرور خمسة وثلاثين سنة على تلك الجريمة أصدر المجلس العدلي- وهو سلطة قضائية عليا تنظر فقط في الجرائم التي تطال أمن الدولة– حكمه بالإعدام على المتهم القاتل المعترف ومحرضه. والاثنان ينتميان إلى «الحزب السوري القومي الاجتماعي» الذي أسسه انطون سعادة في بداية ثلاثينيات القرن الماضي.
حزب عقائدي يدعو إلى وحدة «الأمة السورية» بين سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، والتي كانت تعرف ببلدان «الهلال الخصيب» ونجمته جزيرة قبرص.. وبقيت فكرة سعادة ضم قبرص إلى هذه الدول لغزاً لم يجد من يفك طلاسمه! وقد قامت الدولة اللبنانية عام 1949 بإعدام سعادة بضغط من الرئيس السوري يومذاك حسني الزعيم. وما أشبه اليوم بالأمس!
وقابل تأسيس هذا الحزب في تلك الحقبة نشوء حزب «الكتائب» الذي عمل على تعزيز فكرة الكيان اللبناني التي تقوم على لبنان كدولة مستقلة، والمغالاة في الانتماء اللبناني وتمايزه عن محيطه إلى حد التعصب، وتحذيره من مخاطر اللجوء والنزوح (الفلسطيني ثم السوري) على التركيبة اللبنانية وعلى دور المسيحيين فيه، ومن سعي بعض الجيران (سوريا) إلى ابتلاعه.. وما أشبه اليوم بالأمس!
تقابل الحزبان على مدى عقود، وتحول تنافسهما إلى عدائية في مناطق تواجدهما المشتركة، ثم تصارعا خلال الحرب الأهلية.. فشكل «الكتائب» رأس حربة القوى المسيحية التي خاضت المعركة ضد الوجود الفلسطيني المسلح، ثم السوري، إلى مواجهة الأحزاب اليسارية والعروبية والتابع بعضها للنظام السوري في الصراع على السلطة وتركيبة النظام.. وكان «القومي السوري» واحداً من تلك الأحزاب بعد أن تحول إلى ذراع للنظام الأسدي في لبنان.
لجأ حزب الكتائب إلى إسرائيل طلباً للدعم والسلاح لمواجهة الحصار الخانق الفلسطيني والسوري.. وخاض بشير معركة المائة يوم دفاعاً عن منطقة الاشرفية، شرقي بيروت، في مواجهة الجيش السوري.. ثم فرض نفسه قائداً أوحد عبر توحيد الميليشيات المسيحية بالقوة.. وأحكم سيطرته على معظم المناطق المسيحية بعد أن أصبح بإمرته أقوى الميليشيات خلال سنوات الحرب.. كان مشروعه الاستيلاء على السلطة لـ«بناء دولة قوية وبلد سيد على مدى 10452 كم2»، أي كل مساحة لبنان.. لم يخل خطابه من العنصرية والشعبوية وتعظيم الذات اللبنانية.. تقدم إلى الرئاسة موظفاً عناصر القوة لديه، ومستغلاً الظروف وميزان القوى الذي فرضه اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982.
اعتقل القاتل حبيب الشرتوني وبقي ثماني سنوات في السجن من دون أن يحاكم.. وعند اقتحام الجيش السوري القصر الجمهوري في خريف 1990 لإخراج ميشال عون منه تم في الوقت عينه تهريب الشرتوني إلى دمشق، حيث بقي محمياً طيلة أكثر من عقدين.. وطيلة هذه السنوات مُنع القضاء من أن يضع يده على الملف. وقبل نحو سنة أحيلت القضية على المجلس العدلي الذي لفظ بالأمس حكمه بالإعدام غيابيا على الشرتوني «المختفي»!
أهمية القرار بأنه يعيد إلى القضاء هيبته وقدرته على إصدار الأحكام والاقتصاص من القتلة في قضية بحجم اغتيال رئيس للجمهورية، بغض النظر عن هوية الفاعل.. ولكن الحكم أثار موجة من الاحتجاج لدى «الحزب القومي السوري» ومناصريه وبعض «الممانعين» الذين يعتبرون الشرتوني «مقاوماً» والجميل «عميلاً».. علماً بأن «القوميين» لم يعلنوا يومها تبنيهم لجريمة الاغتيال.. وتظاهر مناصرون ومؤيدون رافعين يافطات تستعيد مناخ الحرب الأهلية ومفردات الحقد والكراهية.
الأمر الأهم هو أن هذا الحكم يمهد الطريق أمام ضرورة إحقاق العدالة في جرائم الاغتيال السياسي التي لا تقل أهمية كاغتيال كمال جنبلاط ورينيه معوض ورفيق الحريري وسمير قصير والمفتي حسن خالد وكل شهداء انتفاضة 14 آذار، والتي يقف وراءها محرض واحد!
بقلم:سعد كيوان
copy short url   نسخ
24/10/2017
2478