+ A
A -
يتبين للعالم يوماً بعد آخر أن مشكلة الشيخوخة السكانية صارت من أخطر المشكلات التي تواجه دولاً عدة في العالم، وأن نفس الدول صارت تعاني من انخفاض المواليد، وأخرى منها تعاني من ضعف في القدرة الإنجابية، ولهذا صار يلاحظ أن الفصول الدراسية في المدارس لم تعد تستقبل أعداد التلاميذ الذين كانت تستقبلهم، فلم تعد تزدحم بالزهور البشرية الغضة لتتلقى التعليم الجيد الذي توفره مجتمعات متقدمة لأجيالها الجديدة بمختلف المراحل، بل وشرعت مجتمعات، وكما نعرف، في التشجيع على الإنجاب بتقديم معونات للأسر التي تنجب، حتى لا تكون هناك أية ضغوط على الوالدين، وأيضا للتشجيع على الإنجاب، غير أن هذا التشجيع ليس مغرياً بالقدر الكافي.
وثمة رباط غير معلن لارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعات مختلفة وانخفاض أعداد المواليد، حيث يتجنب المتزوجون حديثا الإنجاب مبكرا قبل التيقن من فرص الوفاق الزواجي وقابلية الحياة الزوجية للاستمرار، خاصة وأن عددا ليس قليلا من حالات الزواج تعقد على ورقة طلاق يتم في شهر العسل، الذي كثيرا ما يتحول إلى شهر بصل، ومن ثم يخطط المتزوجون حديثا لئلا يدفع الأبناء ثمناً فادحاً لنزوات الآباء والأمهات المتطلقين، ومن ثم ايضا فإن الرعب من الطلاق لا يتسبب فقط في تخفيض المواليد، ولكنه أيضا يتسبب في رفع معدلات العازفين عن الزواج من الجنسين.
وفي تصوري أنه حينما تغيب الرومانسية، وتحل محلها البراجماتية بأدواتها الميكانيكية والحجرية، ترتفع عقيرة الأنانية من جانب، وتزيد فرص التناطح بين الزوجين من جانب آخر، وهنا يلاحظ أننا صرنا في زمن يخاصم الرومانسية تماما، بدعوى أن الأخيرة ليست من بنات زمن التقنية المذهلة الذي نعيشه وتتجافى معه، وصار شعراء هذا الزمن يقرضون الشعر الداعشي، فأصبحت مفردات بعض القصائد من جرانيت وبازلت اسود، ولهذا صرنا نرى فتيات يتعلمن الجودو والملاكمة ورياضات العنف ربما استعدادا لحلبة الحياة الزوجية، وكل ذلك وغيره يرفع معدلات الشيخوخة في مجتمعات، ويكره المتزوجين في الانجاب وفي فكرة الزواج من اصله.
صديق لديه فوبيا اسمها: «الحرب العالمية الثالثة»، اذ كثيرا ما يردد: أن الحرب العالمية الثالثة صارت على الأبواب، ويرى ان كل هذه الظواهر السكانية في العالم مؤشر على اقتراب ساعة الصفر لاندلاع الحرب العالمية الثالثة، ويقول في وجل وخوف، يبدو أن العالم سيشهد الحرب العالمية الثالثة قريبا، وأن هذه الحرب بدأت في البيوت بين الأزواج، وتالياً ستكون بين دول، وهي حرب ستؤدي من بين ما ستسفر عنه إلى اندلاع أول حرب نووية بعد أن شهد العالم أول حرب ذرية، وانه من اهم نتائج هذه الحرب إحداث توازن سكاني في العالم، والعودة إخبارياً إلى نمط الأسرة المستقرة، والتشجيع على الإنجاب، واختفاء ظواهر عدة يشكو منها العالم حاليا.
أضحك من صديقي هذا وأقهقه لأنني أعرف أنه طرف في حرب بيتية حامية الوطيس، ولهذا يرى العالم من خلال الاحتقانات التي يعيشها، وأيضاً من خلال النظارة السوداء التي يضعها على عينيه.
بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
24/10/2017
1848