+ A
A -
التمسك بالاتفاق النووي الايراني شيء، والتمسك باسرائيل كدولة مستقلة وذات سيادة شيء آخر. ورغم الدهشة من اي مقارنة بين حالتين لا يربطهما في الظاهر شيء، فقد فرض الامر الواقع نفسه هنا وهناك، تجاه الاتفاق المثير للجدل، والدولة الصهيونية المثيرة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وبالتالي في العالم.
ما من شك في أن طهران استثمرت بذكاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين ايران وأكبر ست دول في العالم، واستخدمته بجسارة للتمدد والتوسع في المنطقة العربية المحيطة، بحماية ضمنية من واشنطن والعواصم الموقعة، التي وجدت ان من الاسهل الحفاظ على الصفقة النووية، حتى لو استفاد الايرانيون منها كثيرا.
فالاستفادة الايرانية يقابلها هدوء بال يوفره عدم امتلاك طهران السلاح النووي الآن، وإبرام اتفاق يمنعها من تطوير مثل هذا السلاح مستقبلا، بموجب تفسير أغلب الموقعين الكبار عليه، سواء اقتنعوا أو أقنعوا انفسهم بأن ايران ستبقى، كما هي حاليا بشهادة وكالة الطاقة الذرية الدولية، ملتزمة بروح الصفقة، حتى ولو بعد عقود.
وعندما جاء ترامب ليعكر صفو الصفقة وليطعن فيها وفي اهداف طهران، ويلوح بالانسحاب منها، وباستخدام القوة ضد الايرانيين، فهو يتصرف كمن يحفر قبرا لإرث أوباما الذي بنى رصيده على انجازات قليلة منها الاتفاق النووي.
غير ان الاعتراف بالاتفاق ورعايته وسقيه، والتزام طهران الفعلي ببنوده منذ أن أقرته واشنطن وموسكو ولندن وباريس وبكين وبرلين، يعني في الوقت نفسه الاعتراف ايضا «بأضراره الجانبية»، المتمثلة بالتوسع الايراني الذي سكت عنه معظم العالم، حين اخذ يتصرف كمريض رضي بالدواء رغم انه يسبب الألم والأرق.
كذلك، فإن تناقض ترامب واضح للغاية، وهو إذ يريد إلغاء الاتفاق مع ايران يتصرف كمخبر يبحث عن ادلة على جريمة ارتكبت قبل ثلاث سنوات (دون ان يعني ذلك ان الاتفاق جريمة)، ويسكت عن ادلة فاضحة على جريمة اكبر وأخطر، نفذت منذ 70 عاما في فلسطين، دون ان يندفع الكبار لإزالة القشرة الهشة التي تخفي وراء جمالها الشكلي، ثعابين المأساة الفلسطينية، والعربية عموما.
وإذا كان ترامب يصرخ مشككا بنوايا ايران النووية، ومتهما اياها بعدم احترام بنود الاتفاق، تحتشد الدول الموقعةعليه لمنع الرئيس الاميركي من مواصلة «الحفر»، ومن إثارة الغبار من جديد حول صفقة استغرق تحقيقها الكثير من الوقت والجهد.
ويبحث الموقعون عليها عن أدوات لدعم تصوراتهم، كالقول إن إلغاء الاتفاق النووي يعني عجز اميركا عن اقناع كوريا الشمالية بالعودة الى طاولة المفاوضات. لكنهم لا يتحدثون عن كيفية إقناع طهران بالتراجع عن مشروعها الشرق اوسطي، سواء بوجود الاتفاق النووي او في غيابه.
ويفتح النقاش الممتد حول هذه المسألة، الباب امام «الأضرار الجانبية» الكامنة في اي اتفاق او صفقة، ويسقط في ثنايا تبعاتها الكثير من الضحايا، وتتهشم دول وتتغير سياسات، وتتبدل معادلات وتوازنات كانت قائمة. هي أضرار إذن، لا مفر منها!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
18/10/2017
1753