+ A
A -
يقول الرئيس الفرنسي الراحل فرانسو ميتران «أن الشعوب التي لا تملك ذاكرة ليست شعوبا حرة» وكل الأنظمة المستبدة الطاغية في العالم تقوم على التلاعب بهذه الذاكرة، وتخلق بديلا عنها ذاكرة مزيفة مبنية على الأكاذيب والدجل والباطل، وإضفاء صفة تاريخية عليها، ومن المعروف اننا شعوب تقدس التاريخ القديم أكثر من التاريخ الحديث، شعوب تصدق ما يقال لها دون نقاش، ودون تمحيص، خاصة اذا صدرت هذه الاقاويل من سلطة متسلطة لا تؤمن بحرية التفكير ولا التعبير، وتستخدم القمع كلغة للتفاهم... وفي غياب الحرية والديمقراطية يسهل تزييف التاريخ وتشكيل الذاكرة وإعادة صياغتها وخلقها من جديد، ولا يخاف المستبد كما قال عبدالرحمن الكواكبي من العلوم الدينية، أي من رجال الدين لعلمه انهم مشغولون بعلمهم، مهوسون به، لكن إذا نال أحد منهم حظوة لدى عامة الناس وأصبح له أتباع قام بإطعامهم لقيمات من مائدة الاستبداد، أي اشتراهم، وان عجز عن ذلك بطش بهم، ولا يخاف المستبد من أصحاب العلوم والاقتصاد،لأنهم حسب وصف «الكواكبي» مسالمون، صغار النفوس وصغار الهمم، وبإمكان المستبد شراء ولائهم إما بالمال أو بالتقدير، كما انه لا يخاف من الماديين، لأن شراء ذممهم سهل، إن العوام «عامة الشعب» هم مصدر قوة الحاكم المستبد، بهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم ولم يمثل بجثته يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة. والحكومة المستبدّة تكون طبعاً مستبدّة في كل فروعها من المستبدّ الأعظم «الحاكم» إلى الشرطي....إلى الفرّاش، إلى كناس الشوارع، ولا يكون كلُّ صنفٍ إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أيٍّ كان بشراً كانوا أم خنازير، آباءهم أم أعداءهم، وبهذا يأمنهم المستبدُّ ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، والاستبداد يؤثر في اخلاق الناس، إنَّه يرغم حتى الأخيار منهم على إلفة الرّياء والنفاق» أن الذين يتنازلون عن حريتهم مقابل أمان مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمان كما قال «بنيامين فرانكلين».
ويروي المؤرخ الراحل «محمد كامل حسين» موقفا حدث معه أثناء لقائه مع أمام احد الفرق الاسماعيلية والذي عاش ومات في مصر «آغا خان» إذ قال له في معرض الحديث: «لقد أدهشتني بثقافتك وعقليتك المتنورة، فكيف تسمح لأتباعك أن يدعو أنك إله؟ حينها أغرق الامام في الضحك قبل ان يجيب: «إن القوم في الهند يعبدون البقرة....ألست خيرا من البقرة؟! والمعنى واضح ولا يحتاج إلى شرح.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
17/10/2017
3036