+ A
A -
ثمة حروب منسية لكثرة تثاؤبها، وأخرى يجبروننا على نسيانها رغم شدة اهميتها ووحشيتها. وعند إزالة جانب من الغبار الذي رشّوه على حرب «ماراوي» المدينة الوحيدة ذات الاغلبية الاسلامية في الفلبين، نكتشف دمارا وجثثا وأشلاء أطفال ومشردين.
لا ندري إن كان يجب تحميل المسؤولية للتاريخ وحده - وننجو - أم لمجموعة أطراف فقدت انسانيتها وقبرت عقلها وضميرها في لحد واحد، لكننا ندري ان حجم المعاناة في هذه المدينة، كبير، وكبير جدا.
في 23 مايو الماضي، احتل الارهابيون الدواعش ماراوي الواقعة في مقاطعة «لاناو ديل سول» بجزيرة «مندناو» في جنوب الفلبين. وبعد ذلك بأيام، قال رئيس البلاد «رودريغو دوتيرتي» قولته الشهيرة: «سأكون قاسياً مع الإرهاب». وكان دوتيرتي بالفعل في منتهى القسوة، ليس فقط مع الارهاب، ولكن مع سكان ماراوي، وأكثرهم مسلمون.
قيل الكثير وقتها حول احتلال داعش المدينة من خلال خلاياه النائمة في مندناو. وعندما رفع التنظيم أعلامه السوداء في ماراوي، كان التحليل الوحيد الذي اجمع عليه الخبراء هو ان «تنظيم الدولة» جاء الى الفلبين ليقيم في الجنوب دولة خلافة ثانية مزعومة، بعد ان اصبحت الدولة الاولى الحالية على شفا الانهيار في العراق وسوريا.
وحسب المعلومات التي تجمعت لدى المخابرات الفلبينية بعد الاهانة التي سببها لها داعش، فقد تسلل مقاتلو التنظيم الى ماراوي تحت غطاء جماعة «التبليغ»، وهي أصلا جماعة دعوية لا تعمل في السياسة، وعقدوا تحالفا مع جماعة «أبوسياف» التي اكتسبت سمعة سيئة جراء ممارساتها الاجرامية كالقرصنة وخطف الرهائن وذبح مواطنين غربيين، ومع جماعة جديدة اسمها «ماو تي»، حيث قاتلت الجهتان مع الغزاة الدواعش وأحرق ثلاثتهم المستشفيات والكنائس ونفذوا اعمالا ترهيبية بهدف بسط النفوذ.
كانت جماعة ابوسياف قد انشقت عام 1991 عن «جبهة تحرير مورو» التي قادت حربا استمرت عقودا ضد القوات الحكومية للحصول على حكم ذاتي لربع سكان جزيرة مندناو التي يساوي حجمها مساحة كوريا الجنوبية، ويقطنها 22 مليون نسمة ربعهم تقريبا مسلمون، بينما الاكثرية من المسيحيين الكاثوليك.
والآن، وبعد اربعة شهور من حملة عسكرية جوية وبرية سوّت الكثير من ماراوي بالارض، وشردت معظم سكان المدينة الى خيم مبعثرة، خضعت هذه الحاضرة المسلمة الى تدمير ممنهج يتناسب مع تهديدات الرئيس دوتيرتي المتهم بالتقصير في اغاثة المشردين المسلمين.
هذه الحرب جرى اخفاء تفاصيلها عن عمد كما يبدو، ونفذت حسب ما تقول نيويورك تايمز، بإشراف مستشارين وخبراء اميركيين اختفوا منذ يونيو عن الانظار. وهكذا اصبحت ماراوي «المدينة التي دمرت من اجل انقاذها»، وهو تعبير اشتهر خلال حرب فيتنام، لتبرير تدمير المدن هناك، كي لا تقع في يد الثوار!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
11/10/2017
1716