+ A
A -
ربما كانت «غزوة مانهاتن» كما يحلو للبعض ان يسمي هجوم القاعدة على برجيْ نيويورك ووزارة الدفاع الاميركية بالطائرات الانتحارية، هي التي تؤرخ، ليس فقط لبدء الانتقام الغربي من كل ما هو عربي وإسلامي، ولكن لانهيارات متتالية طالت العرب خصوصا، ومن بعدهم المسلمين، بالخنق والعزل والتقتيل والإذلال.
لكن المثير ان من طبيعة الانتقام ان يكون سريع الارتداد كالكرة حين تضربها بالجدار.
لذلك، وكما تبين من ارهاب القاعدة وفي اعقابه ارهاب داعش، ان العرب والمسلمين لم يكونوا وحدهم الذين دفعوا ويدفعون الثمن، وهو ما نشاهده في شوارع المدن الاوروبية والاميركية بكثرة تستعصي على العد.
لا يهمنا هنا ان نحكم على اخلاقية وأحقية الذين قصفوا ودمروا وشنقوا وقطعوا الرقاب ومثلوا بالجثث وهدموا الحدود وانتهكوا الخصوصيات، ولا على تشكيل التحالفات الدولية لمحاربة داعش، او ادعاء البغدادي مسؤولية تنظيمه عن تمثيل السُنة في العالم، او تشكيل الشيعة ميليشيات قتاليةجمعت من مختلف القارات.
ولكن ما يهمنا تسجيله هو أن جميع هؤلاء، ابتداء من دول الفيتو التي وظفت ثرواتها الطائلة وأسلحتها المهولة في هدم المدن فوق ساكنيها، ومرورا بالمجموعات الارهابية التي تحتل وتذبح وتفجر على امتداد الارض، وانتهاء بالجهات التي تمولها او تستخدمها لمآربها الخاصة.. هم مجرمو حرب وأعداء للإنسانية والمبادئ والقيم.
مرتكبو الإبادة ليسوا فقط القاعدة وداعش ومن لف لفهما، فهناك صناع قرار «كبار»، وهم في الحقيقة صغار ولا يختلفون عن مدعي الجهاد بشيء، ما يعني في نهاية الامر ان ما خطه الادباء واستنه المفكرون من لوائح تحدد الفرق بين الانسان والوحش، ليست إلا كلاما كتب على آلاف الاطنان من ذلك الورق الناعم ورولاته التي تباع في انحاء العالم.
واللافت ليس فقط خلو العالم من رموز الحكمة والعدالة والصبر، بل استشراء الرغبة في الثأر فيما يتسيد الجهلة والاغبياء ويُستبعد اصحاب العقول النيرة والمبدعة.
لن نسمي الدول التي تضطهد اذكياءها وأحرارها وتزج بهم في السجون، فبعضها معروف تماما، وبعضها الآخر دول عظمى وكبرى، وأخرى فقيرة محرومة، او ضائعة وسط غطرسة الطغاة وطبول الحرب.
العالم ليس بخير، ولا مكان آمناً فيه، فالارهاب يُقاوَم بالارهاب، والجهل يقاوم بالجهل، والعين بالعين والسن بالسن، حتى اضحت كرتنا الارضية مسكناً للارهابيين والجهلة والمكفوفين.
ليتنا قادرون على استنساخ عظماء من امثال ارسطو وأفلاطون وغاندي ومانديلا، أو المتنبي وعمر الخيام، او نستدعي «الآباء المؤسسين» الذين رسخوا إنسانيتنا التي لم نتصور يوماً ان تُبتذل وتُطعن.
لا نلوم كياناً بذاته، اميركياً كان أم روسياً، عربيا كان ام فارسيا، داعشيا كان ام يهوديا، بل نلوم الجميع وهم يتنافسون حينا ويتقاتلون تارة اخرى كالضواري، على امتلاك الارض والسماء وآبار النفط والنفوذ والقنابل النووية والاسلحة الفتاكة.
كلمة «إرهابي» ذوّبتها بشاعة الاحداث، وجرى توزيعها على كل من يدعي انه انسان، تماما مثلما يوزع القتلة دم الضحية على القبائل. وصاحب هذه الفكرة الشيطانية هو بالمناسبة «أبوجهل». وتبقى المحصلة النهائية كامنة في نجاح سدنة الارهاب الحديث كالبغدادي وبن لادن، في اجتذاب قادة سياسيين وجنرالات مرموقين الى منازلتهم في مربع شعاره «البادئ أظلم»، فيما الاصابع، كل الاصابع، موجهة الى الآخر وهي تصرخ: «أنت البادئ»!
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
08/10/2017
6326