+ A
A -

أحدث الاستفتاء على انفصال كردستان العراق صدمة سياسية رجت مواقع جميع الأطراف المعنية داخل البلاد وفي الخارج. وكأي صدمة سياسية، فإن هناك مساران لتأثيراتها هما إما التصعيد إلى حد المواجهة المسلحة أو التهدئة والحوار وإيجاد تسوية سياسية. ولمنع التصعيد - تحسبا لتداعياته الخطيرة- توالت سريعا المبادرات من الداخل والخارج لاحتواء الأزمة.
ولاشك كانت هناك مشكلات مزمنة قد تراكمت عبر الزمن بين إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد، ومع المؤسسات الأخرى التي منحها الدستور العراقى الدائم الصادر 2005 صلاحيات حل المنازعات بين الأقاليم والحكومة المركزية. لم تقف عند المناطق المتنازع عليها مثل كركوك وبعض المناطق الأخرى المتاخمة للإقليم، وإنما تتسع لتشمل خلافات سياسية وإدارية ومالية وأمنية رأى أكراد العراق أن إدارة الدولة الاتحادية في بغداد لا تأخذها مأخذ الجد. وقد تركزت حجج الرافضين للاستفتاء في ثلاثة أنوع من الحجج. الأولى رأته أنه تصرف من جانب واحد وذلك لا يجوز مطلقا في مثل هذه الحالات. وقال بيان للخارجية الأميركية وبلسان تيلرسون وزير الخارجية إن الولايات المتحدة لا تعترف بنتائج هذا الاستفتاء، لأن التصويت والنتائج يفتقدان للشرعية، حيث لم تحترم السلطات الكردية العراقية الدور الدستوري للحكومة المركزية.
وأما النوع الثاني من حجج الرفض فقد تمثل في أن الاستفتاء على الانفصال جاء مخالفا للدستور العراقي الدائم. وقد شارك الأكراد في صياغة هذا الدستور وكانوا أكثر العراقيين ترحيبا به، فلا يعقل يعد كل هذا أن يكونوا أول من ينقلب عليه كما حدث في واقعة الاستفتاء. وعلى سبيل المثال تؤكد المادة الأولى على أن العراق دولة اتحادية والدستور ضامن لوحدته، وأما المادة 140 المعنية بالمناطق المتنازع عليها فهي تنص على أن كركوك (الغنية بالنفط) منطقة متنازع عليها وسينظر في مصيرها غبر استفتاء عام 2007 (وهو لاستفتاء الذي لم يتم حتى الآن). وفيما يتعلق بفض المنازعات فقد نصت المادة 93 في البند رابعا على أن المحكمة تختص بالفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ووفقا لما ورد في هذه المواد فإن الاستفتاء جاء بالمخالفة الصريحة للدستور.
وأما النوع الثالث من الحجج فقد حمل مضمونا سياسيا بالدرجة الأولى لأنه انصب على أن الاستفتاء يقضى على الشراكة الوطنية بين الأكراد وبقية العراقيين، تلك الشراكة التي تعود جذورها إلى عدة قرون وليس سنوات، حيث التراث الثقافي والتزاوج الاجتماعي والمشاركة في النضال من أجل الاستقلال الوطني.
في ظل هذا المشهد، سارعت شخصيتان بارزتان في الساحة السياسية العراقية هما إياد علاوي وأسامة النجيفي وكلاهما في أعلى مواقع المسؤولية وله كتلته المؤثرة داخل البرلمان بطرح مبادرتان للخروج من أزمة الاستفتاء.
تركزت مبادرة النجيفي حول رفض العنف وسياسة الأمر الواقع من أي طرف أو التصرف من جانب واحد وإيقاف الخطاب التحريضي المتبادل ومراعاة مطالب المكون السني العربي وأن كركوك لكل العراقيين ولا يجوز لطرف أن يفرض رأيه بالقوة والأمر الواقع واعتماد الحوار سبيلا وحيدا للوصول إلى حلول تحفظ وحدة العراق وتحقق مصالح الجميع. وأما علاوى فأكد أن المخرج لتسوية الأزمة هو بفتح باب الحوار دون شروط مسبقة والالتزام بالدستور وتدخل الأمم المتحدة عبر مبعوث دولي وأن يخضع مصير كركوك لما جاء بالدستور وأن يتوقف الجميع عن خطاب التصعيد والتهديدات المتبادلة. ووجدت مبادرة علاوي استجابة من برزاني. وعزز من المبادرتين أن السيستاني الأب الروحي لشيعة العراق طالب بالاحتكام للدستور وعرض المشكلة على المحكمة الدستورية العليا. كما ساندت الوليات المتحدة التوجه للحوار وأبدت استعدادها للتعاون في هذه الشأن. بقى أن تستجيب مؤسسات الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان لمنهج الحوار بإخلاص وتنفذ استحقاقاته بصدق ليبقى العراق موحدا وديمقراطيا ومستقرا، وإلا فإن البديل هو التقسيم والحروب الأهلية وعدم الاستقرار الإقليمي.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
07/10/2017
2588