+ A
A -
بين الحرب والحبر مسافة حرف، رغم البون الشاسع بين إراقة الدم وإراقة الحبر، بين السطر والأرض، كلاهما متورط بالنزف، والنزق أيضا، كدت أن أقول لكل منهما جانب مضيء، لكن هل للحرب جانب مضيء؟ قد يقول قائل: نعم، ويحتج بأشياء منطقية، ما أنا متأكد منه أن من يرى وجها مضيئا للحرب هو بالضرورة لم يُجرب طعم اليُتم، وحتى في الكتابة هل يوجد جانب مضيء، هل يجد الكاتب متعة أثناء الكتابة كمتعته وهو يشاهد فيلما أو يلعب كرة قدم، الكاتب في حالة الكتابة يحترق - حربٌ أيضا- هكذا يخيل لي عندما أقرأ نصا عظيما، أكاد أن أشم شياط أعضاء كاتبه، فاللغة حمّالة أوجه وحمّالة حطب أيضا، ربما تشعر بهذا لو قرأت مسودة نص عظيم، لكن أنصحك ألا تفعل هذا، لو فعلت ستشعر بألم الكاتب في تعرجات الأحرف وهي تتلوّى وترتمي على السطر بفوضوية وألم، ستوجعك الإمضاءات في حواف الورقة، ستشعر بتيه الكاتب أثناء كتابة نصّه وهو يتسرب عبر بقايا الشاي المنسكب على المسودّة، في بقايا رائحة التبغ والرماد، وستشعر بوجع الجملة الساخرة وهي تخترقك وتتمنى لو كانت أقل وخزا وأكثر مثالية، في الكتابة كلما كنت أكثر عُريا ستكون أصدق مع نفسك، وكلما كنت أكثر حكمة ستصل للقارئ بيسر وسهولة، وهذه الطريقة الأسهل، النصائح والمواعظ تجعلك مقروءا عند من لا يحب القراءة الجادة، تجعلك نجما وتسلب منك قلق المبدع، النجومية تريد كاتبا يعرف شيئا عن كل شيء، أن تعرف شيئا من الشعر، وشيئا من السرد، وشيئا عن الموسيقى والسينما.. فهذا يعني أنك تستطيع مخاطبة السواد الأعظم من القرّاء، لكن في نفس الوقت لن تصل لذائقة المحب الحقيقي لأي من هذه الفنون، لأنك تكتب في الهامش لمن يعرف المتن جيدا، كل فنّ هو جنّة محفوفة بألف نار، وقَدر المبدع أن يبتكر دروبا جديدة، وهو يعلم أنه ليس مسؤولا أن يصل للحقيقة، هو فقط يسلك الدروب، لا أقول دون هدف، لكنه هدف يجهله هو، أو على الأقل يخاف أن يصل إليه، فالكاتب ليس عداء يفكّر في الوصول لخطّ النهاية، الكاتب لا يشغله الخط كثيرا، لكنه يخاف أن يصل للنهاية، يشعر بالرعب عندما يتخيّل وصوله للحرف الأخير من الجملة التي قضى عمره في البحث عنها، مثلما يخاف أن ينفجر المعنى (ينفجر المعنى!) يا للغة الحرب، إن سيطر الكاتب على فكرته تماما، وإن جذبته لطوفان أفكار أُخرى، في الحالتين سيمزق الورقة، فالكتابة ليست معادلة رياضية أو كشفا علميا يصرخ الكاتب: (وجدتها)، إن وجدها خرج من طور الكتابة/ الفن، ودخل في دائرة أخرى قد تكون أكثر نفعا!

بقلم : فهيد العديم
copy short url   نسخ
17/05/2016
4107