+ A
A -
قهوة الصباح التي أتناولها في أي بلدٍ عربيٍّ، تختلف عن تلك التي في كندا.
قهوتنا العربية محبوبةٌ سمراءُ، تُجلى في الفناجين، تمتزج فيها نكهة البن العدني، أو الكيني، مع حب الهال، إن شربتها عربية، وتركية، إن شربتها بالتحويجات التي تتفنّن فيها نساؤنا، اللاتي توارثْنها عمّن قبلهُنَّ، والصيت لتركيا والفعل للبلدان العربية، كما هي الكنافة في بلادي، فالصيت لنابلس، والفعل لغزة، التي تشهد حالياً جهوداً مباركةً لإعادة لم الشمل ووحدة الصف في القضية الفلسطينية.
حتى في قبرص واليونان، يصرّون على أن قهوتهم يونانيةٌ، ومن الممكن أن «تخشّ» في خناقةٍ لو طلبت فنجان قهوةٍ تركيةٍ في مقهى أندرياس، بالمنطقة السياحية في ليماسول، وأنت تحسُّ بعبقها يدغدغ أحاسيسك، فتنتشي لدى مرورك أمام مقاهيهم الشعبية في أيٍّ من بلدات القطاع اليوناني في قبرص، حيث يدمنون احتساء القهوة وتدخين التبغ.
في كندا، يحتسونها مشياً، وعلى عجلٍ، تجدها في أكوابها الورقية، بجوار السائق، وفي يد الموظفة العجلى، في مكتبها، والعامل الذي يدخّن في أوقات الفراغ، وطلاب الجامعة الذين يستريحون بين الفصول.. وهم لا يحتسونها كما يفعل الإنجليز في تعاطيهم الشاي، الذي يشربونه صباحاً، وله نوعٌ خاصٌّ، أو بعد العصر مع الكعك الإنجليزيّ العتيق، هم في كندا يشربون القهوة في كل وقت.. ومشارب القهوة تكاد تكون ضمن أكثر المشروعات التجارية نجاحاً، وهم حين ينشؤون منطقةً سكنيةً جديدةً، ينشؤون معها سوبر ماركيت ضخم، ومحطة وقود، ومشرب قهوة.
لكن الوضع يختلف في عالمنا العربي، فالقهوة تعبير عن المؤانسة، وما أحلى هذا التعبير، في توجيه الدعوة إلى الضيف:
- شرّفنا واشرب عندنا فنجان قهوة.
وهناك ترى الوجوه الباشّة فتتذكّر قول شاعرنا القديم:
- وما الخِصبُ للأضياف أن يكثر القِرى..
ولكنما وجهَ الحبيبِ خصيبُ
ولا يستطيع تمييز ذلك إلا إنسانٌ وعى الحضارتيْن: الشرقية الممتزجة بالإحساس، والروحانية، والشفافية، والغربية الصناعية المعجونة بإيقاع الآلة، وسرعة الحياة، فهنا تشرب قهوتك سعيداً متأملاً، وهناك تحتسيها للدفء، والتوحّد مع شيءٍ تفتقده، وتكاد لا تلمسه.
والقهوة في اللغة من مسمّيات بنت الحان.. يقول الأعشى:
جاذبتهم قُضُبَ الريحان متكئاً
وقهوة مرّة راووقها خَضِلُ
لا يستفيقون منها وهي راهنةٌ..
إلا بهاتِ، وإن علّوا، وإن نَهَلوا..
والعلل أول الشرب والنهل آخره.
أنا أحب القهوة العربية، وأعشق الروح العربية، التي لا تتكسّر، وأذوب في هذا الإيقاع، الذي يعيد الدفء، ويشيع المؤانسة، والتوحد مع الآخر، وأغني دائماً لكل ما يجمع أمتي العربية، حتى ولو على فنجان قهوة.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
06/10/2017
3166