+ A
A -
القلمُ، مثلُ السيف.. صمصامُ، وكنتُ أقول- متباهيا- لا يعملُ هذا القلمُ الصمصامُ إلا بين إصبعي..!
الآن، مع انفجار تكنولوجيا لوحة المفاتيح، يوشك القلم أن يصبح من مخلفات التاريخ، فيا.. يا لوحشة السبابة والإبهام!
تجاوزتُ الستين، لكني لا أرتعش، فما بال هذه الرعشة في سبابتي وإبهامي، تستبدّ بي كلما أمسكتُ القلم- أحيانا- لأرسم به إمضائي.. إمضائي الذي ليس شهيرا، في أي بنك في الدنيا، بما فيها بنك بوركينا فاسو!
لا أتعاملُ من كل بنوك الدنيا، إلا مع بنك واحد، ولولا إلزامية تحويل الراتب، ما تعاملتُ.. ولولا أن موظفي هذا البنك يدققون في إمضاء «العملاء» تدقيقا، على كل شيك، لما دقق أحدهم في إمضائي، وأنا الغني- مثل أبي الطيب المتنبي- وأموالي المواعيدُ!
أنا «عميل» بحكم راتبي الذي ينزلُ كل أول شهر في البنك، وفي اليوم التالي يصبح حسابي صفرا. وما بين القوسين هو توصيفي.. وهو التوصيف الذي لا يحفل به أي استخباراتي، برغم أنه توصيف على رؤوس المطويات البنكية، ودفاتر الشيكات!
أنا (عميل) فقير، فمابال الأغنياء يرتضون هذه التهمة (العمالة). لو كنتُ أحدهم لكنتُ قد أوكلتُ المحامي السوداني النحرير- دكتور عادل عبدالغني- برفع دعوى السب وإشانة السمعة، ولكانت صلعة عادل اتلحست زيادة، ولكنتُ قد كسبت من القضية مليارات تضاف إلى ملياراتي، والريال عادة لا يلد إلا ريالا، وكذا الجنيه والدولار واليورو والاسترليني والين، وحتى الجنيه السوداني هذا الكحيان الغلبان الفتران الميتان، الذي كان يأكل عشا التيوس!
الصفر رياضيا، هو قيمة لا نهائية.. وفي حالة حسابي الذي يُصفر في كل يوم تال لأول كل شهر، فإن فقري لا نهائي.. لكنه يبقى- في النهاية- قيمة، ومن ارتضى الفقر قيمة، عاش يومه دون هذيان من هبوط الجنيه إلى الدرك الأسفل أمام الدولار، وارتفاع أسعار (الدكوة) والطماطم وصحن الفول.. أو من تقلبات البورصة تلك التي ترتفع وتنزل، لترفع تارة من الضغط والسكري، وتارة تنزلهما تنزيلا.. ولعاش بالدعاء: اللهم ارزقنا خبز يومنا، كفافا وأمتنا وأبعثنا مع المساكين!
لئن تعش كفافا، هو ألا تتوزع- ذهنا وخاطرا- وهذا التوزع سببه الأساسي القرش.. والقرش- باللهث وراءه– حجاب.. وهو من أشد الخصام في يوم الدين!
من القلم، الذي يوشك أن يدخل المتحف، إلى القرش الذي يلهث وراءه البشر- إلى آخر يوم في هذه الدنيا- ظللتُ أمشي في هذه المساحة، بالنقر على (الكي بورد).. والقلم.. القلم الذي (لا يزيل بلما) (مصنقر) يعاين، في عينيه دمعات، وهو في حال أسيف!
أيها القلم، كن اكسسوارا، في الجيوب.. فضيا أو ذهبيا.. سائلا أو ناشفا، فماعادت الجيوب تحمل نقودا، مع كل هذه البطاقات البنكية، وبطاقات السداد الفوري.. بطاقات (العملاء) فيا.. يالبؤس النشالين التقليديين..نشالي العهد القديم!
أيها القلم، علمتنا.. لكن- كما لكل زمان رجال- فكذلك لكل زمان من أدوات الكتابة، أدوات!
أنا.. وأنا قد تجاوزت الستين- مثلك يا صديقي: أزفر الآن: «فوت يازمان وتعال يازمان»!
آآآآآآه، لا زمان فات، ولا زمان جا.. فما أقسى عدم اللقيا في «زمن ماشي.. وزمن جايي، وزمن لسه»!
وعلى إيقاع كل ما جاءني- فقط- من الزمان الغابر من رجع غبار، ورجع الصدى، رحت أدندن بصوت مشروخ وأنت تشيل:
«مابقول أنا راح أواني،
عارفو ببسم لى زماني،
وسعدي يرجع ليا تاني،
بالأماني السندسية»!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
05/10/2017
2575