+ A
A -
لقد وضحنا في مقالة الأسبوع الماضي أن الثورات الصناعية الثلاث السابقة جلبت الميكنة، الإنتاج الضخم والغزير، التحكم بالكمبيوتر والأتمتة «AUTOMATIZATION»، أما الثورة الصناعية الرابعة فتختلف اختلافا جوهريا. فبدلا من التركيز على تطوير تكنولوجيا محددة، ستشتمل الثورة الصناعية الرابعة على مجموعة من التكنولوجيات الجديدة القائمة على تجميع العوالم المادية والرقمية والبيولوجية معا. ومن ثم ستتأثر بها معظم الصناعات والاقتصادات الحالية. الأمثلة عديدة ولكن التطورات في العلوم الجينية التي تمتزج مع التقدمات الالكترونية من شأنها تخليص الإنسان من العديد من الامراض المزمنة والمتوطنة بالإضافة إلى ابطاء اثار الشيخوخة مما سيزيد من متوسط الاعمار واضفاء العديد من الخصائص النوعية الموجبة على حياة الإنسان.
إن التحولات والتغيرات التي ستنتج عن الثورة الصناعية الرابعة تعني أن العالم يعيش في زمن واعد بشكل لم يسبق له مثيل. ستستطيع الثورة القادمة ان تربط المليارات من البشر بالشبكات الرقمية، وستساعد على تحسين كفاءة المنظمات وإدارة الأصول والموارد بطرق يمكن أن تساعد على تجديد البيئة الطبيعية، مما يعنى أن هذه الثورة بخلاف سابقتها يمكنها من أن تتخلص من الأضرار البيئية التي سببتها الثورات الصناعية السابقة.
ولكن الملاحظ أن هذه التكنولوجيات الجديدة تضرب كلا من جانب العرض والطلب في الأعمال التجارية، بل أنها غيرت من الصورة التقليدية لأنشاء أي عمل تجارى. ليس المهم لمن يريد أنشاء شركة جديدة أن يكون لدية الكثير من رأس المال أو حتى الارض التي سيقيم عليها الشركة أو المشروع ولكن المهم الأن أن يمتلك هذا المستثمر الجديد «صاحب العمل المعاصر» فكرة جيدة تضيف نفعا أو قيمة لأي سلعة أو خدمة يطلبها المستهلك. أن وجود تجمع للمستهلكين على موقع الكتروني يستطيع أن يوصلهم بمن يمكنه أن يقدم لهم الخدمة ووجود عارضي الخدمة أو منتجيها على نفس الموقع الذي يوصلهم بطالبي الخدمة هو من جعل الشركات العملاقة الجديدة لا تملك أصولا ولا رؤوس اموال كبيرة. فمن الملاحظ الآن أن شركات النقل العالمية الضخمة مثل «أوبر» وهي أكبر شركة سيارات الأجرة في العالم، لا تملك أي مركبات. كما أن شركة «الفيسبوك»، صاحبة وسائل الإعلام الأكثر شعبية، لا تخلق أو تنتج أي محتوى وانما يخلق المحتوى المشتركون أنفسهم. شركة «علي بابا» الصينية، أكبر تاجر تجزئة عالمي والذي يصدر بالمليارات من الدولارات، لا يوجد لديه مخزون من السلع وانما يعتمد على نظم اللوجستيات وسلاسل العرض الجديدة؛ أما شركة «إيربنب،» أكبر شركة لتأجير الشقق والغرف عالميا والتي تنافس الآن أعتى الفنادق، لا تملك أي شقق أو فنادق أو عقارات.
ولعل الثورة الصناعية الرابعة بقدر ما هي واعدة فهي ايضا خطيرة ويمكن ان تكون لها نتائج سلبية ضخمة.
أقل هذه التأثيرات هو ما يمكن وصفه «بالتدمير الخلاق»، حيث يلاحظ أن متوسط عمر الشركة المدرجة في مؤشر «ستاندرد آند بورز» العالمي قد انخفض بالفعل من حوالي 60 عاما إلى 18. ولذا يجب على الشركات القائمة الآن أن تحتضن وبسرعة الثورة الصناعية الرابعة إذا لم يتم تدميرها من قبلها. وكما يقول «كلاوس شواب» في كتابه عن الثورة الصناعية الرابعة «على هذه الشركات باختصار، أن يبتكروا وباستمرار»، وحث «شواب» الشركات على الانتقال من هياكل القيادة والسيطرة إلى مقاعد العمل الجماعي والأكثر تعاونية حتى يستطيعوا مواجهة التغيرات المتلاحقة القادمة.
إن هناك مخاوف خطيرة من أن المنظمات والجماعات والافراد قد يكونون غير قادرين على التكيف مع هذه التغيرات السريعة والمتواصلة. فقد تفشل الحكومات في استخدام وتنظيم التكنولوجيات الجديدة للحصول على فوائدها؛ كما أن تغيير الطبقات الرائدة من الرأسماليين إلى المنظمين ورواد الاعمال الصغار المنغمسين في عالم التكنولوجيا سيخلق مخاوف أمنية جديدة مهمة؛ وقد يزداد عدد الذين يستخدمون التكنولوجيا لأغراض غير سلمية ويمكن أيضا أن تزداد درجة عدم المساواة في الدخل والثروة بين طبقات المجتمع الواحد؛ ويبدأ الصراع الأيدلوجي الجديد؛ هذه المرة بين أصحاب الافكار واصحاب الاموال. كما ويمكن أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى «تهميش بعض المجموعات، وتقويض العلاقات الإنسانية». ولذا يجب أن تعمل الدول علي زيادة الوعي بالقضايا المطروحة وفهمها. حيث لا يمكن اتخاذ أي قرار في عزلة. فالمجتمعات الجديدة بحاجة إلى نهج شامل يجمع بين أفضل العقول من جميع أنحاء العالم، من القطاعين العام والخاص على السواء للاتفاق على طريقة يمكن من خلالها مواجهة أضرار الثورة الصناعية القادمة والمحافظة على القيم الإنسانية المهددة بالتطورات العالمية السريعة خاصة في مجالات العلوم الجينية والوراثية.
بقلم : أ. د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
04/10/2017
3537