+ A
A -
مر خبر تولي حليمة يعقوب، وهي سيدة مسلمة، منصب رئاسة سنغافورة، لمدة 6 سنوات، دون ردود أفعال معارضة عندنا، من الهيئات الدينية، والخطباء الذين كانوا، يتصدرون وسائل الإعلام، مستنكرين هذا التصرف، باعتباره مخالفا لثوابت الشريعة التي تحرم تولية المرأة رئاسة الدولة، لحديث لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. السيدة حليمة، حاصلة على الدكتوراه في مجال القانون، ولها خبرات طويلة في إدارة الشؤون العامة، وشغلت مناصب وزارية، وكانت رئيسة للبرلمان السنغافوري لمدة 3 سنوات، وتنتمي إلى أقلية عرقية ملاوية مسلمة، تشكل 14 في المائة من سكان سنغافورة، البالغ عددهم الـ 6 ملايين، وتقدر مساحتها بـ 710كم، وتعد رابع أكبر مركز مالي في العالم.
تأتي أهمية هذا الخبر، أولاً: من كونها، أول حدث لتولي امرأة مسلمة منصب رئاسة الدولة، دون أي اعتراض من جهات دينية معتبرة، لا من داخل سنغافورة أو من خارجها. وثانيا: لجهة أن مجتمعاتنا، العربية بالذات، لديها حساسية مفرطة، لأي قضية متعلقة بمشاركة المرأة في الشأن العام، وبخاصة المناصب القيادية، وهذا يثير عدة تساؤلات مهمة، على صعيد حقوق المرأة السياسية في العالمين: العربي والإسلامي:
1- هل حصل تطور في الوعي العام العربي والإسلامي في مجال حقوق المرأة السياسية؟!
2-كيف تصل المرأة إلى مناصب قيادية عليا في المجتمعات الإسلامية، غير العربية، مثل: تركيا، تانسو تشيلر( رئاسة الوزارة 1995-1993) وباكستان، بي نظير بوتو (رئاسة الوزارة 1996-1988) وبنجلاديش، البيجوم خالدة ضياء رئاسة الوزارة 1996- 1991 و2006-2001 والشيخة حسينة (رئاسة الوزارة 2001-1996 و2009) وإندونيسيا، ميغاواتي سوكارنو رئاسة الدولة 2004-2001 والسنغال، مامي مادور (رئاسة الوزارة 2002-2001) وكوسوفو، عاطفة يحيى آغا رئاسة الجمهورية 2016-2011 ولا نجد امرأة عربية واحدة وصلت إلى هذه المناصب في مجتمعاتنا؟
دعونا نطرح تساؤلاً حول تفسير حالة الممانعة العربية تجاه تولي المرأة العربية مناصب قيادية عليا، مثل: رئاسة الدولة أو رئاسة الوزارة، في المجتمعات العربية: هل يرجع ذلك إلى الخطاب الديني السائد، المحذر من تولية المرأة ولايات عامة، استناداً إلى اعتبارات دينية، أو إلى الثقافة المجتمعية المتأثرة بأعراف وتقاليد قبلية غير متحضرة، لا ترى أهلية المرأة لهذه المناصب القيادية، أو إلى السلطة السياسية، التي تمالئ مجتمعها المحافظ، والمؤسسة الدينية، لأسباب سياسية، أو إلى التشريعات السائدة المتحيزة، المانعة من تولية المرأة العربية هذه المناصب العليا؟
السوابق التاريخية على امتداد أكثر من قرن، تشهد لصالح السلطة السياسية في كافة القرارات المتعلقة بحقوق المرأة، بدءاً بتعليمها في مدارس نظامية، مروراً بعملها الوظيفي خارج بيتها، وصولاً إلى حقوقها السياسية في التصويت والترشح في الانتخابات البرلمانية، وتعيينها في مقاعد وزارية، فقد كانت هناك، وعلى مر التاريخ، قيادات سياسية منفتحة على حقوق المرأة ومتقدمة على حركة مجتمعاتها، حسمت خيارات تاريخية لصالح إنصاف المرأة في مجتمعات محكومة بمواريث عشائرية، معززة بفتاوى، لا ترى أهلية المرأة، خارج بيتها، والنماذج التاريخية كثيرة، في: مصر، سوريا، تونس، المغرب، الأردن، البحرين، قطر، الكويت، الإمارات، عمان، والسعودية مؤخراً، بالسماح للمرأة بالقيادة.
أخيراً: بالرغم من أن القرآن الكريم، مدح حكم الملكة بلقيس القائم على الشورى، وعرضه بصورة منصفة، وهناك فتاوى لكبار علماء الإسلام، سنة وشيعة، بأن الإسلام لا يقف ضد رئاسة المرأة للدولة، وأن الحديث الذي يستند إليه المانعون، لا ينطبق على نظام الحكم الحديث، القائم على الفصل بين السلطات، وتوازنها، إلا أن واقع المجتمعات العربية يناهض هذا التوجه.
أخيرا: كافة المجتمعات البشرية، صححت نظرتها للمرأة، وأنصفت نساءها، فمتى تصحح مجتمعاتنا نظرتها وتنصف نساءها؟ ما السبيل إلى قطيعة معرفية مع مواريث قبلية متحاملة على المرأة؟ إلى متى تظل مجتمعاتنا محكومة بأعراف متخلفة في معاملة نصفها الأفضل؟! متى تتم مراجعة التشريعات والمناهج والكتب التراثية المتحيزة؟!
أخيراً: هل نتصور وصول امرأة عربية إلى رئاسة الدولة أو الوزارة، خلال العقد القادم؟!

بقلم : د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
02/10/2017
3893