+ A
A -
لم تتحقق نهاية التاريخ كما توقع «فوكوياما»، ولم تتحقق نهاية اي شيء آخر، بما في ذلك الشيوعية والاشتراكية والشعبوية واليسار. فكل الايديولوجيات تخبو وتطفو وتدفن ثم تبعث حية، وكذلك النظريات.
وفي الوقت الذي يفترض ان يتمرد الإرث الانساني فيه على قاعدة «المصلحة قبل الاخلاق» و«الدولار هو الذي يقرر» و«الحكم للطغاة»، فإن الاستهتار بالقيم يزداد انغراسا في عالم وضيع يحكمه النادي النووي والخمسة الكبار ويتصرفون كما يتصرف العراب مع أتباعه.
ويصيبنا نحن في الشرق الأوسط الكبير بعض هذه التركة المخزية التي لا علاقة لها بأي جانب مضيء أو عادل في هذه الحياة. وقد جاءت «الحالة الكردية» لتعقد المشهد وتفتح بوابة الحروب المتجددة وتكشف جانبا من الغيم الأسود المخيم فوق رؤوسنا.
أما اسرائيل التي ترقص فوق جثثنا منذ زمن طويل، فهي التي كتبت بعد قصتنا، قصة كردستان بمداد اسود بدأها بن غوريون وها هو نتانياهو يختتمها بخطة تقسيم العراق. وإذا كانت عائلة البرازاني قد دشنت مع موشيه ديان الحلف الاسرائيلي الكردي، فقد سجلت عائلة الاسد أسوأ فصول عرفتها البشرية ابتداء من ذبح رفعت «20» ألفا في حماة عام 1982، وانتهاء بأنهار دم لم نعرف لها مثيلا منذ بدء التاريخ، يُسأل عنها بشار الذي تابع إرث والده حافظ وعمه رفعت، مشتتا الشعب في شتى الفيافي والقفار.
ونضحك عندما يصرخ مستعمر سوريا فلاديمير بوتين بأن الظروف مهيأة للتسوية، أو عندما يزعم وليد المعلم ان دمشق مستعدة للتفاوض على منح اكراد سوريا إدارة ذاتية. فالأول يكذب لأن خطة خفض التوتر الفاشلة هي قشرة يختفي وراءها مليون مأساة ومليون بندقية ومليون مشكلة ومليون سؤال بلا جواب، والثاني يناور ويتملق في مساحة ضيقة تؤكد عجز النظام وهزاله.
وإذ يكشف تقرير نشرته قناة «العالم» الايرانية عن لجوء اسرائيل الى انشاء قوة من المرتزقة لحماية حدود الجولان في جنوب سوريا، فإن إرهاب داعش ما زال ينشط فيما يكبر تنظيم القاعدة في سوريا وخارجها.
الإرهاب الجهادي المزعوم، ما زالت لديه إذن أوراق يلعبها في انحاء كثيرة من العالم، في غمرة ندم يجتاح جميع الطغاة، وآخرهم حكام العراق على السنوات التي تركوا فيها سلطة كردستان تنمو وتترعرع كما لو كانت دولة مستقلة، ويستفيقون اليوم على البلاد وقد أصبحت قيد التجزئة.
ولكن ماذا ينفع الندم والصحوة المتأخرة، فالبذرة زرعت، ونثر الكثير من البذور الشيطانية في أغلب الدول العربية، بعضها لا علاج له كسوريا والعراق واليمن وليبيا، والبقية كلها تقريبا غارقة في الفوضى والمشاكل المزمنة التي ستقود الى انهيار بعضها.
تطلع البذور وتصير أشجارا، ثم تقطع في يوم آخر وترمى على قارعة الدرب، فكيف للتاريخ ان ينتهي؟!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
01/10/2017
2537