+ A
A -

كنت مع زوجي وأسرتنا نسافر بالطريق البري في رحلة استمرت 22 ساعة. وصلنا قرابة الفندق فلم نجد مكانا لصف سيارتنا.. نزل زوجي لمعاينة النُزل.. واضطر لركن السيارة صفا ثانيا.. بعد دقائق رحلت سيارة ومضت في طريقها، فوجدت مكانا لصف عربتنا.
فكرت مائة مرة.. بل ألف مرة أو يربو قبل القيام بهذه المغامرة، ومكثت أدعو وأبتهل: «اللهم اجعل من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا». وأبنائي يشجعونني: «هيا فرصة». نقلت نفسي لمقعد القيادة من داخل السيارة وقد بلغت القلوب الحناجر، حتى أنني كنت أسمع دقات قلبي عند رقبتي... صفيت السيارة ثم قفزت للمقعد الجانبي أيضا من داخل السيارة.. وأنا ألتفت حولي.. كنت أنهج وأتنفس بصعوبة..
بعد فترة وجيزة، جاء زوجي وقال: خير وجدتِ مكانا؟
قلت: نعم وربك ستر، فتذكر أننا بمكة المكرمة حيث القيادة كانت عورة وحراما وإثما مبينا. فصرخ حتى كاد قلبه ينخلع!
مبروك للحجازيات بالقرار الأخير الذي سمح أخيرا بقيادتهن للسيارة.
ألف مبروك حيث ان «المبروك الواحدة» دليل على اننا متخلفون مئات السنين الضوئية بعيدا عن أي مدنية حينما يصبح الحدث التاريخي الوحيد الذي يمكن أن تتوصل اليه المرأة لا أن تصل للقمر بل ان تستطيع المرأة قيادة سيارتها، ما يعني انها ما زالت تحبو بينما العالم يطير في الفضاء.
ثم هل يعقل ان يصل الأمر إلى ان تغمر الفرحة بهذا القرار الشارع السعودي رغم ان القرار لن يدخل حيز التنفيذ الا في يونيو المقبل لتهيئة الأجواء وعمل الإجراءات اللازمة التي ستستغرق مزيدًا من الوقت مع الأخذ في الاعتبار أن قيادة المرأة مشروطة وموقوتة بملابس وضوابط معينة وتوقيت محدد!!
والله لأستحي من أن أخبر أي صديقة أجنبية أن كل هذه «الهلمة» لأنهم سمحوا للسيدات في احدى بلاد العرب ان تقود عربتها اذا اتشحت بملابس محتشمة، ويكأن الحجازيات غير محتشمات! بل هن وكل نساء الجزيرة العربية من اكثر نساء العالم احتشاما سواء قدن سيارتهن أم لم يقدن.
هل يعقل ان تغمر العالم سعادة غامرة حتى ان متحدثة البيت الأبيض تبارك بنفسها للشعب السعودي وتنقل ترحيب الرئيس ترامب الذي قالت انه يثني على قرار المملكة بتأكيد حق المرأة بالقيادة، وكأننا في عرس دولي؟
على أية حال نأمل أن تكون هذه الخطوة التي تشبه حبو الرضيع، كالهتان الذي يسبق الغيث، حيث ان أوضاع المرأة في المملكة تحتاج إلى غوث إلهي لإنقاذها من مرحلة الطفولة الكونية المستدامة التي تعاني منها.
فالحجازيات يعانين من قيود أخرى جمة وعديدة هن وكثيرات في اوطاننا العربية. وهذا القرار وإن جاء متأخرا جداً، إلا انه صدقا أفضل من عدم إصداره. فهو يشبه بأب حازم سمح أخيرا لابنته ان تنظر من الشباك لترى العالم فجاءته التهاني من الجيران.
صدقًا، ان التغيير المجتمعي هو أصعب ما تواجهه شعوبنا العربية، بل حتى تغيير الإنسان لنفسه من أصعب التحديات التي يستطيع المرء التغلب عليها.. وإن كنت آمل لبنات الحجاز ولكل بنات العرب أوضاعا مجتمعية تمكن لهم المزيد من الحريات، إلا انه من الأفضل عدم التهوين من جدية وأهمية هذا القرار الذي واجه القمع الفكري المتفشي بين المتشددين في المملكة والذين كانوا يسمحون بخلوة المرأة مع سائقها عوضا عن ان تقود بنفسها سيارتها.
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
30/09/2017
3454